وقال علم الهدى رضى الله عنه : إنّها مشتركة بين الوجوب والندب اشتراكا لفظيّا * في اللّغة ، وأمّا في العرف الشرعيّ فهي حقيقة في الوجوب فقط. وتوقّف في ذلك قوم ، فلم يدروا للوجوب هي أم للندب ** وقيل : هي مشتركة بين ثلاثة أشياء ، الوجوب والندب والإباحة ***. وقيل : هي للقدر المشترك بين هذه
__________________
المصالح العائدة إلى الدنيا ممّا لا يكاد يخفى على ذي مسكة مع عدم كونها إرشاديّات جزما.
* وفي بعض النسخ وذهب السيّد المرتضى إلى أنّها ... إلى آخره ، وربّما يعزى ذلك إلى السيّد ابن زهرة ، وحكاية هذا القول عن السيّد هو المشهور في الكتب الاصوليّة.
واعترض عليهم : بأنّ الّذي صرّح به السيّد في الذريعة أنّها للوجوب والإباحة لا الوجوب والندب ، مع تبديله الوجوب « بالأمر » حيث قال فيها : « اختلف الناس في صيغة الأمر فذهب الفقهاء كلّهم وأكثر المتكلّمين إلى أنّ للأمر صيغة مفردة مختصّة به متى استعملت في غيره كانت مجازا ، وهي قول القائل لمن دونه : « افعل » وذهب آخرون إلى أنّ هذه اللفظة مشتركة بين « الأمر » و « الإباحة » وهي حقيقة فيهما مع الإطلاق لا يفهم أحدهما ، وإنّما يفهم أحدهما دون صاحبه بدليل ، وهو الصحيح » (١).
ثمّ أخذ في الاستدلال لما صار إليه ، فقال : « إنّ هذه اللفظة مستعملة بلا خلاف في « الأمر » و « الإباحة » في التخاطب والقرآن والشعر ، قال الله تعالى ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ )(٢) وهو أمر ، وقال سبحانه ( وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا )(٣) وهو مبيح ، وكذلك قوله تعالى ( فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا )(٤) فإنّ الانتشار مباح ، إلى آخر ما ذكره.
** حكاه في النهاية عن أبي الحسين الأشعري وجماعة من أصحابه كالقاضي أبي بكر والغزّالي وغيرهما ، وحكاه بعض الأفاضل عن الآمدي في الإحكام مع نقله حكاية القول بالتوقّف عن جماعة بين كونها للوجوب أو الندب أو لهما اشتراكا لفظيّا أو للقدر الجامع بينهما ليكون مشتركا معنويّا.
وعن البعض التوقّف بين الأحكام الخمسة ، فهي موضوعة لواحد منها لا نعلمه.
*** والمراد به الاشتراك اللفظي بقرينة ما بعده ، وقد حكاه في المنية عن جماعة ،
__________________
(١) الذريعة إلى اصول الشريعة ١ : ٣٨.
(٢) البقرة : ٤٣.
(٣) المائدة : ٢.
(٤) الجمعة : ١٠.