على تقدير التوصّل إليه لا مطلقا ، فالتخيير بين الفعل وترك خاصّ لا يكون إباحة وإنّما الإباحة هو التخيير بين الفعل ومطلق الترك.
وعن الثاني : بأنّ رجحان الفعل على وجه التخيير لا يستلزم مرجوحيّة تركه مطلقا ، وإنّما يستلزم مرجوحيّة تركه المجرّد عن المعادل فلا ينافي رجحان تركه المتوصّل به إلى المعادل.
ثمّ قال : « وسيأتي لهذا مزيد بيان في مبحث النهي » ، وكأنّه إشارة إلى ما ذكره في مبحث اجتماع الأمر والنهي من قوله : « وأمّا إذا كانا تخييريّين أو كفائيّين فلا إشكال في جواز الاجتماع ، لأنّ المطلوب بالأمر حينئذ وجود الطبيعة المقرون بعدم البدل وبالنهي عدمها المقرون بوجود البدل فلا يتّحد المورد ».
ولا يخفى ما فيه من وجوه الاختلال ، فإنّ الإماميّة وأكثر المعتزلة من العامّة في أفراد الواجب المخيّر على أنّه يجب كلّ واحد على البدل ولا يجب الجميع ، ولا يجوز الإخلال بالجميع ، والظاهر أنّ الأخيرتين من القضيّتين تفصيل لما أجملته القضيّة الاولى.
وحاصل المراد بهما : أنّ الواجب المخيّر ليس بمثابة حتّى يكون كلّ واحد من أفراده مطلوبا على كلا تقديري وجود الآخر وعدمه ، ولا هو بمثابة حتّى لا يكون كلّ واحد مطلوبا على كلا تقديري وجود الآخر وعدمه ، بل كلّ واحد مطلوب على تقدير عدم الآخر وليس بمطلوب على تقدير وجود الآخر وهذا معنى قولهم : « يجب كلّ واحد على البدل ».
وإن شئت تصوير ذلك بأكمل وجه فلاحظ العرف فيمن يعرضه حرارة مزاج لا يطفئها إلاّ أكل الرقى أو شرب السكنجبين فيكون إطفاء الحرارة مصلحة تعلّق بها غرضه الّذي دعاه إلى الطلب الإلزامي قائمة بكلّ من الطبيعتين حاصلة في الخارج بحصول أيّ منهما اتّفق ، فيكون كلّ مطلوبة له على تقدير عدم اتّفاق حصول الاخرى وغير مطلوبة له على تقدير اتّفاق حصول الاخرى ، فيحصل في المقام بملاحظة التقديرين قيدان متغايران كلّ منهما بالقياس إلى كلّ من الطبيعتين بمنزلة الفصل وهي منهما بمنزلة الجنس ، وإذا اعتبرت كلّ واحدة متفصّلة بكلّ من الفصلين يحصل به مفهومان متغايران أحدهما مطلوب وهو ما يصادف من كلّ من الطبيعتين عدم حصول الاخرى ، وثانيهما غير مطلوب وهو ما يصادف منهما حصول الاخرى ، فالأمر المتعلّق بكلّ منهما إن اقتضى نهيا عن الاخرى فإمّا أن يقتضيه في المفهوم الأوّل أو في المفهوم الثاني ولا سبيل إلى شيء منهما.
أمّا الأوّل : فلكون ذلك المفهوم نفس المأمور به والشيء لا يعقل كونه ضدّا لنفسه.