بالمعنى المتقدّم في بحث الواجب الأصلي والتبعي من مباحث المقدّمة ، هذا على ما يستفاد من كلامهم ولكن لنظر الناظر فيه مجالا واسعا.
ومع الغضّ عن ذلك فلعلّ الوجه فيه أنّ اللازم إذا كان بحيث يحصل تصوّره والجزم بلزومه للسامع فالمخاطب أولى بذلك ، فهو حينما يقصد الملزوم من خطابه قاصد للازم أيضا مع نوع تأمّل في إطلاق هذه الدعوى ، وحيثما يثبت إرادة اللازم مع الملزوم فهو لا يستلزم كونه من باب الاستعمال في أكثر من معنى بعد ملاحظة أنّه يقصد من اللفظ إفادة الملزوم ومن الملزوم إفادة اللازم وكأنّ التعبير عن الأوّل بقولهم : « مقصود من الخطاب » وعن الثاني بقولهم : « مقصود بالخطاب » إشارة إلى ذلك كما لا يخفى.
ثمّ إنّ الدلالة في الأخير من حيث الاعتبار مثلها في الأوّلين ، فهي أيضا من الدلالات المعتبرة عرفا وشرعا وإن لم تكن مقصودة بالخطاب كما صرّح به غير واحد من الأعلام.
والوجه في ذلك أنّ الغرض الأصلي من فتح باب الألفاظ ووضعها بل مطلق المواضعة إنّما هو التوصّل بها إلى المقاصد وما في الضمائر من معتقدات المخاطبين ، فيكون اعتبار الدلالات من جهة كشفها بواسطة الألفاظ وغيرها عمّا في الضمائر من المقاصد والمعتقدات.
ولا ريب أنّ الدلالة المذكورة ممّا يكشف كغيرها عن الاعتقاد ، غاية الفرق أنّها ليست كغيرها ممّا يقصد بها إفادة الاعتقاد أصالة ، وهو لا يوجب فرقا بينهما في الحكم ، ضرورة دوران الأحكام شرعيّة وعرفيّة مدار المعتقدات في الواقع ونفس الأمر ، والمراد بها ما هو من معتقد الشارع ومن هو بمنزلته في وجوب إطاعته عقلا أو شرعا أو عرفا ، فلو استكشفنا بالخطاب ولو مع انضمام خارج إليه عمّا هو من معتقد المخاطب شارعا كان أو غيره كان متّبعا ويترتّب عليه أحكامه المعلومة في الخارج من طريقة ذلك المخاطب ، سواء كان من جملة الوضعيّات أو غيرها ، ومن هذا الباب أقلّ الحمل المستفاد من الآيتين كونه ستّة أشهر مع عدم كونه مقصودا بهما جزما.
ولذا ترى يحكم عليه بجميع ما قرّر في الشريعة وعلم من طريقة الشارع من الأحكام المحمولة على الحمل.
وربّما يستبعد وجود هذا النوع من الدلالة في كلام الشارع ، وقد أشرنا في بحث المقدّمة إلى ما يقضي بضعفه ، ونقول هنا أيضا : إنّ مبنى تلك الدلالة على عدم القصد من الخطاب بالخصوص والّذي يمتنع في الشارع إنّما هو عدم الالتفات والتصوّر والشعور