ثمّ إنّه رحمهالله استغرب عن إيراد الدور بقوله : « وهو أغرب من سابقه لأنّ المقامين متغايران » ولا يخفى ما في ذلك التعليل من الإجمال وعدم اتّضاح المراد فيحتمل أن يكون المراد بتغاير المقامين تغايرهما من حيث القائل ، لأنّ القائل بتوقّف الفعل على الترك غير القائل بتوقّف الترك على الفعل فلا يرد عليهما إشكال الدور لعدم قولهما بالتوقّف من الطرفين ، أو تغايرهما من حيث الموضوع نظرا إلى أنّ موضوع التوقّف في أحدهما الفعل وفي الآخر الترك وهما متغايران فلا يلزم الدور لاشتراط وحدة الموقوف والموقوف عليه فيه ، أو تغايرهما من حيث جهة التوقّف نظرا إلى أنّ أحدهما شرط والآخر علّة ، أو تغايرهما في أصل التوقّف والعدم بمعنى تسليمه في أحدهما دون الآخر ، ولا سبيل إلى شيء من ذلك.
أمّا الأوّل : فلأنّ غرض المحقّق بما ذكره من الإيراد إنّما هو إلزام المشهور بما هو لازم مذهبهم من ثبوت التوقّف ـ بناءا على التمانع ـ في جانب العكس بطريق أولى المفضي إلى الدور المحال ، مع أنّ المقامين ربّما يتّحد فيهما القائل كما عرفت عن الحاجبي والعضدي فإيراد المحذور ترد عليهما.
وأمّا الثاني : فلأنّ مجرّد هذه المغايرة لا يدفع الدور ما لم يتعدّد الموقوف والموقوف عليه في القضيّة الدوريّة ، كأن يكون أحدهما الوجود الذهني والآخر الوجود الخارجي ، كما قيل في رفع الدور الوارد على من جوّز تحديد العلم بغيره ، ومن عرّف الاجتهاد باستفراغ الفقيه الوسع في تحصيل الظنّ بالحكم الشرعي ، أو يكون على تقدير كونهما الوجود الذهني أحدهما العلم التفصيلي والآخر العلم الإجمالي ، كما قيل في دفع ما أورد على التبادر والقياس بطريق الشكل الأوّل ، أو يكون أحدهما فعليّا والآخر ملكيّا كما قيل في دفع هو ما أورد على تعريف الاجتهاد بما تقدّم أيضا أو غير ذلك من الجهات المغيّرة للموقوف والموقوف عليه ، ولا ريب أنّهما في محلّ البحث واحد.
وأمّا الثالث : فواضح بل التوقّف في جانب العلّة أشدّ فهو آكد بلزوم الدور من فرضه شرطا ، مع احتمال كونه عند من توهّمه مقدّمة شرطا أيضا ، ضرورة افتقار الترك معه إلى مقدّمات اخر.
وأمّا الرابع : فلأنّه مقالة بعد المصير إلى التمانع لا تسمع من أحد ، بل ولا ينبغي الالتفات إليها حيث لا يمكن الجمع بينهما ، مع أنّه يوجب خروج ما بعد هذه العبارة تكرارا إلاّ أن يجعله تفصيلا بعد الإجمال ، إلاّ أنّه بعيد عن سياق التأدية كما لا يخفى ، إذ لا يصلح