المأمور به عبارة عن حمل الجوارح على عدم إيجاده كما أنّ الفعل عبارة عن حمل الجوارح على إيجاده ، فلابدّ في معرفة كيفيّة هذا الإطلاق من ملاحظة كيفيّة الاصطلاح الجاري في هذا اللفظ الحاصل لأهله ، والنظر في أنّهم هل يخصّونه بالأمر الوجودي الصرف أو ما يعمّه والوجودي المتشبّث بالعدم.
وظاهر عباراتهم وإن كان يقضي بالأوّل ولكنّ الاصول ترشد إلى الثاني وكيف كان فلابدّ في ذلك من نوع تأمّل.
ثمّ إنّ من الأعاظم من فرّع احتمالي ترك المأمور به أو الكفّ عنه في المراد من الضدّ العام على الخلاف الآتي في باب النهي ، من كون المطلوب بالنهي هو الكفّ أو نفس « أن لا تفعل ».
حيث قال : « الضدّ هنا يراد به ما يعاند المأمور به وينافيه ولا يجتمع معه في الوجود وإن كان عدما كترك المأمور به أو الكفّ عنه على الخلاف الآتي في النهي » وهو كما ترى بظاهره وارد على خلاف التحقيق ، وذلك لأنّ الخلاف الآتي خلاف وقع في مدلول النهي الدائر بين كونه طلب الترك ـ بمعنى مجرّد عدم الإتيان ـ أو طلب الكفّ عن المنهيّ عنه ، ومحلّ البحث إنّما هو الترك الّذي هو متعلّق لمدلول النهي ولا مدخل له في الخلاف المذكور ، ضرورة أنّه لو ثبت ثمّة أنّ المطلوب بالنهي هو الكفّ لا يلزم منه أن يكون مراد الاصوليّين بترك المأمور به الّذي أطلقوا عليه اسم « الضدّ » هو الكفّ كما أنّه لو ثبت ثمّة خلاف ذلك لا يلزم منه كون مرادهم هنا أيضا خلاف ذلك.
غاية الأمر أن نقول هنا على المذهب الأوّل : إنّ الأمر بالشيء يدلّ على طلب الكفّ عن ترك المأمور به ، وعلى المذهب الثاني : إنّه يدلّ على طلب ترك ترك المأمور به ، فيبقى ترك المأمور به الّذي هو متعلّق النهي محتملا للوجهين أيضا ولم يتبيّن حاله فكيف يتوهّم تفرّع حاله على الخلاف الآتي ، إلاّ أن يقال : بجريان الدليل القاضي بحمل النهي على الكفّ في مطلق التروك.
وعلى أيّ حال كان فقد عرفت أنّهم يسمّون الترك أو الكفّ بالضدّ العامّ.
ووجهه : عدم اختصاص الترك أو الكفّ بفعل خاصّ من الأفعال المضادّة للمأمور به لتحقّقهما في ضمن خاصّ لا محالة ، فإنّ « الأكل » مكان « الصلاة » كفّ عنها أو ترك لها وكذلك الشرب أيضا وهكذا إلى آخر الأضداد الوجوديّة ، وهذا نظير أفعال العموم في اصطلاح النحاة كالوجود والثبوت والحصول ونحوه ، فإنّ عموم هذه الأفعال من جهة تحقّق