فهو سبب لتركه وعدم دخوله في حيّز الوجود ، فيكون إطلاق اللفظ الموضوع له على الترك من باب تسمية المسبّب باسم السبب.
وعلى ما قرّرناه من منع التمانع يكون العلاقة الظاهريّة علاقة اللزوم من باب ذكر الملزوم وإرادة لازمه نظير « النطق » في قولهم : « نطقت الحال » للدلالة ، نظرا إلى أنّ ترك الضدّ حينئذ من لوازم فعل الضدّ الآخر بل كونه لازما هو المصرّح به في كلام أهل الاصطلاح ، كما يرشد إليه التأمّل في الوجه الرابع من أدلّتنا الناهضة على نفي التمانع فيما بين الأضداد الوجوديّة المشتمل على كلام من أهل المعقول.
وأمّا إذا اريد بالترك الكفّ عن المأمور به فقد صرّح بعض الأعلام بكون الإطلاق فيه حقيقة لبنائهم في الكفّ ـ على ما سيأتي في باب النهي ـ على كونه أمرا وجوديّا كالمعنى الحقيقي فليس اللفظ مستعملا في خلاف ما وضع له.
واعترض عليه بعض الفضلاء : بأنّه يعتبر في الضدّين مع كونهما أمرين وجوديّين تواردهما على محلّ واحد كالسواد والبياض والقعود والقيام ، ولذا لا يطلق الضدّان على العلم والسواد مع كونهما وجوديّين لتعدّد محلّيهما ، ومحلّ البحث ليس من هذا الباب لكون المأمور به كالصلاة ـ مثلا ـ محلّه الجوارح والكفّ محلّه النفس فيكون الإطلاق عليه أيضا مجازيّا.
وردّ : بأنّ النفس إن اريد بها النفس الإنسانيّة فلا شكّ أنّ الصلاة أيضا محلّها النفس ، ضرورة كون الفاعل الحقيقي في جميع الأفعال هو النفس وأنّ الجوارح منها بمنزلة الآلات.
وإن اريد بها مورد الكفّ ومصدره ، فلا شكّ أنّ الكفّ أيضا محلّه الجوارح كالفعل لأنّه عبارة عن إمساك الجوارح عن الإتيان بالمأمور به كما لا يخفى.
أقول : ويرد عليه أيضا : أنّه لو كان منشأ الاشتباه إضافة الكفّ إلى النفس حيث يعبّر عنه بكفّ النفس كما هو الظاهر.
فيدفعه : أنّ فعل المأمور به أيضا كذلك لأنّه عبارة عن حمل النفس على إيجاد المأمور به.
غاية الأمر أنّ التعبير عنه بهذه اللفظة غير معهود ، وهو إن صلح فرقا يكون فرقا لفظيّا بين المقامين والفرق اللفظي لا يوجب الفرق المعنوي والمعتبر في أمثال المقام إنّما هو المعنى دون اللفظ.
نعم يقع الإشكال في جهة اخرى وهي أنّ الكفّ إن كان بحسب العنوان والتعبير أمرا وجوديّا غير أنّه متلبّس بالعدم وليس بأمر وجوديّ صرف ، لأنّ إمساك الجوارح عن إيجاد