وقد يطلق ويراد به الترك *. وهذا يدلّ الأمر على النهي عنه بالتضمّن.
وقد كثر الخلاف في هذا الأصل ، واضطرب كلامهم في بيان محلّه من المعاني المذكورة للضدّ ؛ فمنهم : من جعل النزاع في الضدّ العامّ بمعناه المشهور ـ أعني الترك ـ وسكت عن الخاصّ. ومنهم : من أطلق لفظ الضدّ ولم يبيّن المراد منه. ومنهم : من قال : إنّ النّزاع إنّما هو في الضدّ الخاصّ. وأمّا العامّ بمعنى الترك فلا خلاف فيه ، إذ لو لم يدلّ الأمر بالشيء على النهي عنه ، لخرج الواجب عن كونه واجبا.
__________________
وجود الأفراد ، مع أنّه قول لا يتفرّع على هذا المذهب بل يقول به أهل جميع المذاهب حتّى القائلين بوجود الكلّي في ضمن الأفراد ، لأنّه كلّي ليس على حدّ سائر الكلّيّات كما عرفت ، فالنهي عنه نهي عمّا هو مصداق له وهو الضدّ الخاصّ لا محالة ، والأسدّ بل الموافق للصواب ما ذكرناه من الوجوه وإن كان مفاد الجميع فيما عدا الأخير واحد.
* وهذا هو الّذي يجعل الضدّ بناءا على اصطلاح أهل المعقول مجازا فيه على أحد وجهيه ، وهو أن يراد بالترك مجرّد عدم الإتيان بالمأمور به ، واختلفت كلمتهم في اعتبار العلاقة بينه وبين المعنى الحقيقي وهو الأمر الوجودي الّذي لا يجتمع مع المأمور به في محلّ واحد ، وجملة ما ذكروه في الباب لا تزيد على ثلاثة أوجه ، المشابهة والمجاورة والكلّية والجزئيّة.
أمّا الأوّل : فلمشابهة الترك للضدّ الوجودي في وصف المنافاة.
وأمّا الثاني : فلمجاورة ترك الشيء لفعل ضدّه الوجودي.
وأمّا الثالث : فلكون الضدّ الوجودي جزئيّا من جزئيّات ما ينافي المأمور به أو ما لا يجامعه على الإطلاق ، فاستعمل اللفظ الموضوع للجزئي في الكلّي مجازا في موضع إرادة الترك منه من باب إطلاق الكلّي على الفرد.
ولا يخفى ما في الكلّ من التعسّف الواضح ، وليت شعري بأنّهم لم لم يعتبروا علاقة السببيّة والمسبّبيّة مع كونها من أظهر العلائق وأقربها اعتبارا ، ولا سيّما على مذهب المشهور من تمانع الأضداد الوجوديّة نظرا إلى أنّ كلّ ضدّ وجودي إذا كان مانعا عن الآخر