وظاهر العبارة المحكيّة عن كشف الغطاء كونه مشروطا بالعزم على المعصية لأنّه قال ـ في تلك المسألة من مقدّمات الكتاب ـ : بأنّ انحصار المقدّمة في الحرام بعد شغل الذمّة لا ينافي الصحّة وإن استلزم المعصية ، وأيّ مانع من أن يقول الآمر المطاع لمأموره : « إذا عزمت لمعصيتي في ترك كذا افعل كذا » كما هو أقوى الوجوه (١) في حكم جاهل الجهر والإخفات والقصر والإتمام ، فاستفادته من مقتضى الخطاب لا من دخوله تحت الخطاب ، فالقول بالاقتضاء وعدم الفساد أقرب إلى الصواب والسداد. انتهى.
ولكن الظاهر أنّه لا يخالف القول الأوّل كما لا يخفى.
وإذا عرفت ذلك ، فإن أرادوا ممّا ذكروه من كون الفساد ثمرة للقول باقتضاء الأمر بالشيء النهي عن الضدّ كون الفساد ملازما لهذا القول كما هو شأن الثمرات وأنّ من يقول بتلك المقالة فليس له أن يقول بما يخالف الفساد ، فهو في حيّز المنع لجواز القول بالتفكيك بينهما كما عرفته من جماعة فكيف يدّعى الملازمة ، مع أنّ اقتضاء النهي الصريح النفسي للفساد في العبادات أو هي والمعاملات معركة للآراء ولهم فيه أقوال مختلفة ـ على ما يأتي في محلّه ـ وقد صار جماعة من أهل النظر إلى المنع فكيف بالنهي الضمني الغيري ، فدعوى الملازمة بين هذا القول وفساد الضدّ عبادة كانت أو معاملة باطلة جدّا.
وإن اريد أنّه ممّا يتفرّع على هذا القول على بعض التقادير فهو مسلّم ، غير أنّ عدّه من الثمرات في موضع المنع لما تقدّم ، بل هو من الفوائد المترتّبة على هذا القول بناء على اتّفاقه مع القول بالفساد في نهي العبادات والمعاملات.
واعترض عليه أيضا بوجوه غير وجيهة.
__________________
(١) والوجوه على ما حكاه بعضهم ثلاث :
أحدها : أنّ الجاهل له في الواقع بالنسبة إلى القصر والإتمام والجهر والإخفات حكمان أحدهما مطلق والآخر مشروط.
أمّا الأوّل : فهو القصر في السفر والإتمام في الحضر.
وأمّا الثاني : فهو الإتمام في الموضعين ، فإنّه مشروط بالمخالفة في الأوّل ، وكذا الكلام في الجهر والإخفات.
وثانيها : ما نسب إلى السيّد المرتضى من أنّ الجاهل المقصّر بنفسه موضوع من الموضوعات جعل الشارع له بخصوصه أحكاما كما أنّه جعل لسائر الموضوعات أحكاما ، فحكمه في نفس الأمر بالنسبة إلى المسألتين التخيير بين الجهر والإخفات والقصر والاتمام.
ثالثها : أنّ ما جعله الشارع له في الواقع هو الّذي جعله للعالم ، غير أنّ الفرق بينه وبين العالم أنّه إذا أتى بما يخالف الواقع يسقط عنه الإعادة بخلاف الجاهل لأنّه الّذي دلّ عليه الأدلّة دون المخالفة في الواقع. ( منه ).