بخلاف الطلب بمعنى « خواستن » فإنّه أمر نسبي بين الطالب والمطلوب والمطلوب عنه ، كما يرشد إليه المنساق من ترجمته الفارسيّة فهو الّذي يقع جنسا لما عدا الإباحة من الأحكام ، وقد يجعل « الإذن » جنسا لما عدا التحريم فتشمل الإباحة أيضا ، والظاهر أنّها في مقابلة الطلب في هذا القسم كالرضا في مقابلة الحبّ والإرادة من القسم الثاني ، فيكون الإذن بالمعنى الأخصّ أعني ما يتحقّق في ضمن الطلب ملزوما للرضا بالمعنى الأخصّ ، كما أنّ الإذن بالمعنى الأعمّ الشامل للإباحة ملزوم للرضا بالمعنى الأعمّ.
فقد تقرّر بما ذكر أنّ ما يتحقّق في هذا القسم من الأمر الإنشائي المأخوذ جنسا للأحكام متأخّر بحسب الرتبة عمّا يتحقّق في القسم الثاني من الامور المذكورة فيكون كلّ منها من لوازمه ، كما أنّ ما يتحقّق في القسم الأوّل من لوازمه.
فقضيّة ذلك كون الطلب كاشفا عن الرضا بالمعنى الأخصّ الملازم للإرادة والحبّ النفساني الملازم للرجحان والاعتقاد به ، والإذن بالمعنى الأعمّ كاشفا عن الرضا بالمعنى الأعمّ الملازم لعدم الكراهة والبغض النفساني الملازم لعدم المرجوحيّة والاعتقاد به مطلقا.
كما تقرّر أيضا أنّ الطلب ملازم للرجحان ، بمعنى أنّه يتعلّق من طرفي الفعل والترك بما كان راجحا مشتملا على المصلحة النفس الأمريّة ، فهو عند إنشاء الوجوب والندب إنّما يتعلّق بطرف الفعل لأنّه الراجح المشتمل على المصلحة ، كما أنّه عند إنشاء التحريم والكراهة إنّما يتعلّق بطرف الترك لأنّه الراجح المشتمل على المصلحة.
وظاهر عند أهل التحقيق أنّ الطلب أمر وحداني وارد في الجميع على منوال واحد من غير فرق بينها من جهته أصلا لا من حيث الكمّ ولا من حيث الكيف ، وإلاّ امتنع كونه جنسا لها ، فلذا ترى أنّ التحريم والكراهة يمتازان في نظر العقل والوجدان عن الوجوب والندب بتعلّق الطلب المعتبر فيهما بالترك وتعلّقه في الوجوب والندب بالفعل.
وأمّا الامتياز فيما بين الندب والوجوب فإنّما هو بمقارنة الطلب المعتبر فيهما للإذن في الترك بمعنى الإعلام والإشعار بالرضا بالترك في الندب ، ولنفي الإذن فيه بمعنى الإعلام والإشعار بعدم الرضا بالترك الملازم للكراهة في الوجوب ، كما أنّ الامتياز فيما بين الكراهة والتحريم بمقارنة الطلب المعتبر فيهما للإذن في الفعل بمعنى إظهار الرضا بالفعل في الكراهة ، ولنفي الإذن فيه بمعنى إظهار عدم الرضا بالفعل الملازم للكراهة في التحريم.
فالّذي يتحقّق في الضمير عند إنشاء الوجوب شيئان :