يكون انتفاؤها في جانب الترك موجبا لقيام مفسدة فيه أو لا ، وكذلك مفسدة الفعل إمّا أن يكون انتفاؤها في جانب الترك موجبا لقيام مصلحة فيه أو لا.
وأمّا الثاني : فكاعتقاد الرجحان أو المرجوحيّة أو التساوي على طريقة منع الخلوّ في الأوّلين بالنسبة إلى الطرفين.
ومن البيّن أنّه لا يتأتّى إلاّ بالالتفات إلى الرجحان أو المرجوحيّة وتصوّرهما ، وهما لكونهما إضافيّين فلا يحصل تصوّرهما إلاّ بتصوّر طرفيهما الراجح والمرجوح ، فلا يعقل في حكم العقل تصوّر الرجحان في الفعل أو الترك إلاّ بعد تصوّر الفعل والترك معا ، فبطل بذلك ما يقال في الاستدلال على أنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه العامّ من جواز الغفلة على الآمر عن الترك فضلا عن النهي ، فإنّ تجويز ذلك يوجب تجويز الأمر بدون تصوّر الرجحان أو تجويز تصوّر الأمر الإضافي بدون تصوّر طرفيه ، ولا يكاد يعقل شيء منهما ولا سيّما من الحكيم العدل العالم الّذي يمتنع عليه الغفلة والذهول مطلقا ، بل الضرورة قاضية بأنّ العلم بالرجحان لا يحصل إلاّ بعد تصوّره الّذي هو تابع لتصوّر طرفيه الراجح والمرجوح.
فإذا حصل ذلك العلم يترتّب عليه الإرادة والكراهة بمعنى ميل النفس وانقباضها.
والظاهر أنّهما مرادفان للحبّ والبغض النفسانيّين اللذين يعبّر عنهما في الفارسيّة « بخوش داشتن » و « بد داشتن » وقد يتخيّل في بادئ النظر ترادف الرضا وعدم الرضا لهما أيضا ، ولكن التأمّل يقضي بكون الرضا واقعا على ما يعمّ الإرادة وعدم الكراهة ، فلذا لا يتحقّق بينهما واسطة إلاّ في صورة التردّد بخلاف الإرادة والكراهة ، ومثلهما الحبّ والبغض فإنّ الواسطة بينهما ما لا يكون محبوبا ولا مبغوضا ، ولازمه كونه مرضيّا به كما في طرفي المباح وفعل المكروه وترك المندوب ، فعدم الرضا حينئذ يرادف الكراهة والبغض ، وأمّا الرضا فقد يطلق على ما يرادف الإرادة والحبّ وهو الرضا بالمعنى الأخصّ كما في فعل الواجب والمندوب وترك المحرّم والمكروه ، وقد يطلق على ما يشمل عدم الكراهة أيضا وهو الرضا بالمعنى الأعمّ كما عرفت ، فكلّ واجب يستلزم الرضا بالمعنى الأخصّ في أحد طرفيه ومثله المحرّم ، وكلّ مندوب ومكروه ومباح يستلزم الرضا بالمعنى الأعمّ في كلا الطرفين.
وأمّا الثالث : فكالطلب والتخيير اللذين يتمّ بإنشائهما الحكم ، ولا يتحقّقان إلاّ فيما بين الثلاثة الحاكم والمحكوم به والمحكوم عليه ، ويعبّر عن الأوّل في الفارسيّة « بخواستن » وبه يفرّق بينه وبين الإرادة من حيث إنّها بمعنى « خوش داشتن » لا تقتضي انتسابا إلى الثالث