لأنّا نقول : المفروض فيما ذكرناه انتفاء القرائن ، فليقدّر كذلك ، لو كانت في الواقع موجودة. فالوجدان يشهد ببقاء الذمّ حينئذ عرفا. وبضميمة أصالة عدم النقل يتمّ المطلوب *.
__________________
قاعدة قرّرناها في الجزء الأوّل من الكتاب ـ في بحث الاستعمال من الأمارات ـ وهي الحكم بكون اللفظ حقيقة فيما غلب استعماله فيه من أحد المعنيين فصاعدا ممّا علم باستعمال اللفظ فيهما مع العلم بقدر جامع بينهما استعمل فيه اللفظ أيضا أو لا.
فبجميع ما قرّرناه أيضا ينقدح الجواب عمّا عساه يورد من احتمال استناد التبادر إلى قرينة العلوّ في خصوص المثال ، بل عدّه بعضهم من الاعتراضات ، فإنّا ندّعي التبادر في الأعمّ ممّا صدر عن العالي ، ومعه لا وقع لهذا الاحتمال.
* والغرض من هذه المقدّمة دفع ما لعلّه يورد على الدليل من أنّ قصارى ما يلزم من هذا الدليل إنّما هو كون الصيغة في العرف حقيقة في الوجوب ، لما قرّر في محلّه من اشتراط كون التبادر في اصطلاح التخاطب في إثبات الوضع به ، مع أنّ الغرض الأصلي في محلّ الخلاف إثبات ما وضع له الصيغة بحسب اللغة ليفيد في أوامر الكتاب والسنّة.
ومحصّل ما يدفعه : أنّ ذلك يثبت بأصالة عدم النقل الّتي لا يزال الناظر في الأمارات المبنيّة على القواعد العربيّة لإثبات المطالب اللغويّة محتاجا إليها ، فإنّ الصيغة لو لم تكن في اللغة للوجوب أيضا للزم النقل ، للقطع بكونها عند أهل اللغة لمعنى ، والأصل عدمه.
وربّما اعترض عليه : بكونه معارضا بأصالة تأخّر الحادث ، لكون الوضع للوجوب أمر حادث والأصل تأخّره.
ويردّه : كون ذلك الأصل مقدّما على معارضه لكونه بالقياس إليه من باب المزيل ، ولاعتضاده بغلبة بقاء الألفاظ على معانيها الأصليّة الثابتة لها عن أهل اللغة إلى عرف زمن الشارع بل إلى عرفنا هذا أيضا كما لا يخفى ، وقيل أيضا لاعتضاده بالشهرة بل الإجماع ، بل بظهور عدم القائل بالفصل بين زماننا وزمان اللغة ، وبأنّ الحكم بتعدّد الوضع حكم بوجود حادث لم يكن والحكم بتقدّم الوضع حكم بسبق موجود ، ومن الظاهر أنّ الأخير أهون من الأوّل.
ثمّ إنّ المراد بالنقل الّذي نفاه بالأصل إنّما هو حدوث الوضع الجديد للصيغة بعد زمن أهل اللغة غير ما كانت عليه أوّلا ، من دون فرق في ذلك بين كونه من باب التعيين أو