التعيّن ، فلا يرد عليه ما عن بعضهم من أنّ هذه الضميمة لا تدلّ على المراد ، لجواز أن تكون الصيغة في اللغة للطلب أو الندب مثلا ثمّ استعملها الواضع في الوجوب مجازا ، فاشتهر عند العرف حتّى صارت حقيقة فيه ، فأصالة عدم النقل باقية بحالها من غير استلزام الوضع للوجوب ، فإنّ ذلك إنّما يتّجه لو اريد بالنقل خصوص ما كان من باب التعيين ، وصدر من الواضع ، وهو بمحلّ من المنع ، بل المراد أعمّ منه وممّا كان من باب التعيّن أو التعيين من غير الواضع من العرف بعد زمانه ، فلا وقع حينئذ للاحتمال المذكور قطعا.
فبالجملة لا إشكال في تماميّة الدليل وكون مرجعه إلى دعوى التبادر ، فإنّ المتبادر من الصيغة من أيّ قائل صدرت إنّما هو الطلب الحتمي الّذي يلزمه ترتّب استحقاق الذمّ والعقاب على ترك المطلوب بها لو صدرت ممّن يجب طاعته عقلا أو شرعا أو عرفا ، فلذا نرى في أنفسنا حين العزم على مخالفة من طلب منّا شيئا بالصيغة فيمن يساوينا أو دوننا في الرتبة التعويل على عدم كون القائل ممّن يجب طاعته علينا ، والركون إلى عدم صيرورة مطلوبه واجبا علينا عقلا أو شرعا أو عرفا بمجرّد إيجابه دون عدم كون الصيغة ممّا لا يفيد الوجوب.
وأيضا لا نزال عند العزم على مخالفة من هو أعلى منّا في أمره بالصيغة نفتّش في تحصيل عذر يكون مقبولا عنده نعتذر به لو أخذنا على المخالفة.
وأنت لو تأمّلت في الأوامر العرفيّة وطريقة كلّ أهل لسان في لسانهم لوجدت من القرائن الكاشفة عن فهم الوجوب عن الصيغ المجرّدة والشواهد القاضية بتبادره عنها عند الإطلاق أكثر ممّا يعدّ ويحصى ، فمع ذلك التبادر المقطوع بعدم مدخليّة ما عدا اللفظ في حصوله لعموم مورده كيف يسوغ التشكيك في كونها للوجوب خاصّة ، مضافا إلى أنّ استعمالها في الوجوب أغلب وأكثر بمراتب شتّى من استعمالها في الندب أو غيره بحيث لم نجده في جنب الأوّل إلاّ كشعرة بيضاء في بقرة سوداء ، كما نشاهده في الصيغ الصادرة منّا بالنسبة إلى عبيدنا وخدّامنا وأزواجنا وكلّ من يساوينا ، بل نشاهده في الصيغ الصادرة ممّن هو دوننا بالنسبة إلينا من أزواجنا أو أبنائنا أو عبيدنا وخدّامنا ، فيندرج تحت قاعدة أشرنا إليها وأسّسناها في أوائل الكتاب.
وأيضا لم نجد استعمالها في خصوص الندب إلاّ ومعها قرينة من الحال أو المقال دلّتنا على فهمه بحيث لولاها لما انتقلنا إلى إرادته ، بل نجد أنفسنا ملتزمين بنصب قرينة عند إرادة الندب من تحريك يد أو إشارة أو تصريح بما يكشف عن رضانا بالترك مع أولويّة