وهذا الكلام وإن لم نجده في كلام أحد ولكنّه في مقام منع الدلالة في غاية الوجاهة ، كما أنّ كونه وجها لإنكار الدلالة من منكريها في غاية البعد بل مقطوع بعدمه ، لعدم كونه ممّا يساعده الحجّة المذكورة ولا غيرها ممّا ذكروه في المقام ، وبذلك يشكل ما قدّمناه من تحقيق كون الأمر بالشيء دالاّ بالالتزام على النهي عن ضدّه العامّ المتضمّن للطلب الشأني ، لوجوب كون اللازم مغايرا لملزومه ذاتا واعتبارا ، وما ذكر من الطلب لا يغاير ملزومه.
فإن قلت : كيف لا يغايره مع أنّه طلب شأني والملزوم طلب فعلي.
قلت : هذه مغايرة بينهما بحسب الوصف ، والمعتبر فيما بين اللازم والملزوم هو المغايرة الذاتيّة وهي في أمثال المقام إنّما تحصل مع تعدّد موضوع الطلبين.
وقد عرفت أنّه في محلّ الكلام متّحد لتعلّقهما معا بالفعل الّذي هو أمر وجودي.
وبالجملة الأمر بالشيء لا يستلزم النهي عن ضدّه العامّ بمعناه الحقيقي ولو بالطلب الشأني.
نعم التعبير عن طلب الفعل « بافعل كذا » من شأنه التعبير عنه بـ « لا تتركه » ولكنّه لا يوجب تحقّق شيئين كون أحدهما ملزوما والآخر لازما له ، بل هو من قبيل طلبين واردين على شيء واحد بعبارتين يكون أحدهما مؤكّدا للآخر ولا ربط له بما هو مقصود في المقام.
فمحصّل الكلام : أنّ النهي عن الضدّ العامّ إن اريد به المنع عن الترك بالمعنى المقابل للإذن حسبما تقدّم فالأمر بالشيء يدلّ عليه تضمّنا ، وإلاّ فلا دلالة له عليه تضمّنا ولا التزاما ولا هو عينه ، ولا يلزم منه خروج الواجب عن كونه واجبا بالتقريب المتقدّم.
وثانيهما : القول بأنّ الأمر بالشيء عين النهي عن ضدّه العامّ ، وقيّده بعض الفضلاء بكونه عينه في المعنى.
واحتجّ عليه : بأنّ معنى النهي حينئذ طلب ترك الترك لأنّ معنى النهي طلب الترك وطلب ترك الترك عين طلب الفعل في المعنى وذلك ظاهر ، وإنّما قلنا : إنّه عينه في المعنى ، إذ لا ريب في تغايرهما بحسب المفهوم كالوجود وعدم العدم.
ثمّ نقل اعتراض المصنّف على الحجّة الآتية بقوله : واعترض بأنّ النزاع يرجع حينئذ إلى اللفظ ، حيث سمى طلب الفعل طلبا لترك تركه فعبّر عنه بالنهي عن الضدّ وطريق ثبوته النقل عن أهل اللغة ولم يثبت ، فمرجعه إلى أنّ الأمر بالشيء له عبارة اخرى كالاحجيّة (١)
__________________
(١) الاحجيّة بتقديم « الحاء » على الجيم وتشديد الياء المثنّاة من تحت ، بمعنى اللغز ، نحو أنت وابن اخت خالتك.