ومثله لا يليق أن يدوّن في الكتب العلميّة.
فأجاب عنه : بأنّ الكلام في عينيّة المفهومين بحسب الصدق لا في التسمية ، إذ لم يدّع أحد أنّ النهي عن الضدّ له معنى غير معناه المتداول أعني طلب الترك حتّى يطلب فيه بالنقل ، وعينيّة المفهومين في الصدق وإن كانت من الامور الواضحة إلاّ أنّ التشاجر في نظائرها غير عزيز في كتب القوم. انتهى.
وفيه : أنّ الفعل والترك المأخوذين في ماهيّة الأمر والنهي هما متقابلان تقابل الإيجاب والسلب ، فالمراد بالترك هو العدم الحقيقي المقابل للوجود ، وكما أنّ الوجود والعدم لا يصدقان على شيء واحد فكذلك طلباهما ، فترك الترك إذا كان لا يغائر الفعل بحسب الصدق فكذلك لا يغاير طلبه طلبه.
ولا ريب أنّ الأمر والنهي متغايران مفهوما ومصداقا حسبما ذكر ، فطلب الفعل مع طلب ترك الترك وإن كان يصدق عليهما « الأمر » صدقا حقيقيّا إلاّ أنّه لا يصدق على شيء منهما المنهيّ أصلا ، فيرجع الكلام حينئذ إلى دعوى أنّ الترك المأخوذ في ماهيّة النهي أعمّ من الترك الحقيقي والاعتباري ، فيرد عليها بحث المصنّف من أنّ طريق ثبوته النقل ولم يثبت ، بل الثابت خلافه كما لا يخفى.
وظنّي أنّ هذا الاحتجاج اشتباه نشأ عن ملاحظة كون الفعل عين ترك الترك بحسب المصداق ، وكون طلبه عين طلبه في الخارج غفلة عن أنّ مجرّد ذلك لا يوجب صدق عنوان « النهي » على ما صدق عليه « الأمر » حقيقة.
وبذلك تبيّن ما في كلام بعض الأفاضل من الفساد الناشئ عن هذا الاشتباه حيث قال ـ عند دعوى أنّ النهي عن الترك ليس مدلولا تضمّنيّا ولا التزاميّا ـ : إنّ حيثيّة [ تحتيم ] أحد النقيضين هي بعينها حيثيّة [ إلزام ] رفع الآخر ، فإنّ كلاّ من النقيضين رفع للآخر فليس هناك طلب آخر متعلّق بالترك ولا تحتيم آخر متوجّه إليه ، بل هناك طلب وتحتيم واحد متعلّق بالفعل وهو بعينه طلب لترك الترك وتحتيم له ، لكون الفعل بعينه تركا للترك ورفعا له ، فطلب ترك الترك هو عين طلب الفعل وحتميّته عين حتميّة ذلك الطلب ، فظهر أنّ دلالة الأمر بالشيء على النهي عن ضدّه العامّ ليس على سبيل التضمّن ولا الالتزام ، بل ليس مفاد النهي المفروض إلاّ عين ما يستفاد من الأمر وإنّما يتغايران بحسب الاعتبار ـ إلى أن قال ـ : فحرمة الترك مفاد وجوب الفعل كما أنّ وجوب الفعل مفاد حرمة الترك ، وكذا الحال بالنسبة