إلى حرمة الفعل ووجوب الترك ، ولذا كان ترك كلّ حرام واجب وترك كلّ واجب حراما من غير أن يكون هناك تكليفان ، فحيثيّة الأمر بالفعل هي حيثيّة النهي عن الترك ، إذ ترك الترك هو عين الفعل بحسب الخارج ، لكون الفعل والترك نقيضين وكلّ منهما رفع للآخر ، فيكون طلب كلّ منهما طلبا لترك الآخر ، إلى آخره.
فإن قلت : كيف تنكر تصادق الأمر والنهي عن الترك ، مع أنّ صدق المأمور به والمنهيّ عن تركه على شيء واحد من الضروريّات.
قلت : صدق المنهيّ عن تركه على ما صدق عليه المأمور به إنّما يدخل في عداد الضروريّات إذا كان المراد بالنهي المنع المقابل للإذن ، وإلاّ فعلى معناه الحقيقي المقابل للأمر لا صدق له أصلا وإلاّ لزم تصادق المتبائنين ، مضافا إلى لزوم التناقض بين مفهومي « النهي » و « الطرف » (١) كما لا يخفى.
وإن كان المراد بصدقهما على شيء واحد صحّة التعبير عن طلب الفعل « بافعل كذا ولا تتركه ».
ففيه : أنّ غايته كون مفاد العبارتين واحدا وهو غير مجد في المقام ، إذ الكلام في الصدق المعنوي وقد تقدّم في بحث الأمر أنّ « لا تتركه » من حيث المعنى أمر وإن كان من حيث اللفظ نهيا.
نعم هو باعتبار الصيغة نهي جريا على اصطلاح أهل العربيّة ، ولكنّه غير مراد في المقام.
ومن هنا تبيّن فساد ما قد يقال في الاستدلال على هذا المذهب من صحّة وقوع كلّ من الأمر بالشيء والنهي عن تركه تعبيرا عن الآخر ، ولذا ترى أنّ المريد للضرب مثلا يصحّ له الأمر به بقوله : « اضرب » أو النهي عن تركه بقوله : « لا تترك الضرب » فإنّ مفاد كلّ منهما واحد وهو الطلب الحتمي المتعلّق بالضرب.
وقد يقرّر : بأنّا نجد أنّ ما في ضمير المولى عند إرادة الطلب شيء واحد وهو تحتيم حصول الفعل في الخارج ، فله أن يجعل موضوع طلبه الفعل فيقول : « افعله » فيكون أمرا ، وأن يجعله الترك فيقول : « لا تتركه » فيكون نهيا ، فهو معنى واحد وله عبارتان ، فإنّ كون مفاد العبارتين واحد مسلّم وصدق « الأمر » على العبارة الاولى « والنهي » على العبارة الثانية على اصطلاح أهل العربيّة أيضا مسلّم ، غير أنّ النزاع ليس في ذلك الأمر اصطلاحي ،
__________________
(١) أي المقابل.