غاية الأمر أنّه إذا كان من أهل الإطاعة يختار دائما أحد الطرفين ، وإن عصى بترك العلّة فله إثم واحد ، وإن كانت على تقدير وجوبها من العبادات ليس عليه إلاّ قصد واحد للقربة ، وقد يظهر الفائدة أيضا في العدالة والفسق على تقدير كون العلّة تركا وفعلا من المعاصي الصغيرة ، وفي جواز أخذ الاجرة على المعلول ، وفي مواضع النذر وشبهه.
والمقام الثاني : فيما لو كان المتلازمان معلولين لعلّة ثالثة ، والكلام هنا بالقياس إلى محلّ البحث كما سبق في المقام الأوّل ، فلابدّ وأن يكون كلّ من العلّة ومعلوليها من مقولة الأفعال الاختياريّة ، فلو تخلّف العلّة كان راجعا إلى المقام الآتي ، ولو تخلّف أحد المعلولين دون العلّة كان راجعا إلى المقام السابق ، ولو تخلّف كلاهما دون العلّة أو معها كان خارجا عن محلّ البحث بالمرّة ، إذ لا حكم لها حينئذ حتّى ينظر في جواز الاختلاف وعدمه ، كما أنّ الكلام بالنسبة إلى الصغرى أيضا كما تقدّم ، ضرورة أنّه كلّما يفرض من الأفعال الاختياريّة للمكلّف معلولا لفعله الاختياري من متعدّد أو متّحد فهو مسبوق على إرادته الاختياريّة وقصده ، فلا يكون ما يفرض علّة له بعلّة تامّة ، وإلاّ لخرج المعلول عن كونه فعلا اختياريّا منوطا بإرادته الاختياريّة.
ألا ترى أنّ أظهر ما يصلح أن يذكر مثالا لهذا الباب إنّما هو غسل البدن وتبليله المعلولين لصبّ الماء عليه عند وجوب الغسل للجنابة ونحوها ، فإن الجميع فعل اختياري غير أنّ مجرّد الصبّ ليس بعلّة تامّة ، وإلاّ لوجب حصولهما بمجرّد حصوله وإن لم يكن المكلّف مريدا لهما وهو ضروري البطلان ، بل العلّة التامّة في الحقيقة هو الصبّ وإرادتهما الملزمة ، والمجموع سبب شرعي للطهارة بناءا على عدم رجوع قصد القربة فيما بين الشروط وقصد الرياء فيما بين الموانع إلى ماهيّة السبب ، بدعوى ارتباطهما بالتأثير وحصول الأثر وإلاّ كان من أجزاء السبب لا نفسه.
وأمّا الكلام في كبرى القياس فيظهر بالتأمّل فيما سبق ، فإن كان أحد المعلولين واجبا أو محرّما أو مندوبا أو مكروها يقضي بوجوب العلّة وحرمتها وندبها وكراهتها من باب المقدّمة ويبقى المعلول الآخر على إباحته بالمعنى الشامل للندب والكراهة حسبما تقدّم تفصيله.
نعم لا يجوز أن يكون ذلك المعلول محرّما أو مكروها مع وجوب العلّة أو ندبها ولا واجبا أو مندوبا مع حرمة العلّة أو كراهتها لعين ما تقدّم ، فإن كانت العلّة واجبة أو محرّمة فلا قضاء له بوجوب المعلولين ولا حرمتهما ، بل يجوز كونهما مباحين على كلا التقديرين