فإن قلت : كيف تنكر اقتضاء إيجاب العلّة وجوب المعلول وتحريمها حرمته ، مع أنّ ترك المعلول لا يتأتّى إلاّ بترك العلّة وفعله لا يتأتّى إلاّ بفعلها ، فتجويز تركه أو فعله في معنى تجويز ترك العلّة أو فعلها وهو ينافي إيجابها أو تحريمها.
وإن شئت فقل : إنّ فعل العلّة وتركها ملزومان لفعل المعلول وتركه ، وهما ملزومان للرضا ، ففعل العلّة وتركها ملزومان للرضا وهذا خلف.
قلت : أيّ ملازمة بين تجويز ترك المعلول وفعله وتجويز ترك العلّة وفعلها ، فإن اريد أنّ من يجوّز الأوّل لابدّ وأن يجوّز الثاني وإلاّ لزم التكليف بما لا يطاق أو قبح آخر.
ففيه : منع واضح لعدم توقّف العلّة على المعلول ، وامتناع الامتثال بالعلّة فعلا أو تركا يترتّب على فعل المعلول أو تركه المتضمّنين لفعل العلّة أو تركها لا على تجويزهما ، والمكلّف عاقل قادر على إيجاد العلّة ، وتجويز فعل المعلول أو تركه لا يوجب سلب قدرته عليه ، فينبغي أن لا يفعل المعلول ليتمكّن من ترك العلّة ولا أن يترك المعلول ليتمكّن من فعل العلّة ، فلو اختار فعله أو تركه المتضمّنين لفعل العلّة أو تركها لعصى بفعله المحرّم أو تركه الواجب واستحقّ العقاب لأنّه عصيان صدر عنه باختياره ، ولا يعقل في المقام محذور آخر من قبح عقلي ونحوه.
وإن اريد به أنّ الأوّل كاشف في فهم العرف أو إدراك العقل عن الثاني وهو يناقض ما فرض من منع فعلها أو تركها ، فهو أوضح منعا من الأوّل كيف وأنّ الدلالات لا يخلو عن أنواع ثلاث وليس شيء منها موجودا في المقام ، والقياس المذكور مغالطة لابتنائه على اشتباه فاحش في كبراه ، وهو أنّ ترك المعلول أو فعله ملزومان لتجويزهما والرضا بهما بالنسبة إلى المعلول لا مطلقا ، فإذا اخذ هذا المعنى محكوما به في النتيجة لم يلزم المحذور ، لكون الحاصل حينئذ : أنّ ترك العلّة وفعلها ملزومان للرضا بترك المعلول أو فعله ، وهو غير ما نجوّزه فكيف يصلح إيرادا علينا.
فإن قلت : فأيّ فائدة في جعل الإباحة للمعلول والمكلّف لا يقدر أبدا على أحد طرفيه لمكان المانع الشرعي الّذي هو بمنزلة المانع العقلي ، وهو وجوب العلّة أو تحريمها فيكون في معنى الواجب أو الحرام.
قلت : لا يقصد من جعل الإباحة إلاّ رفع الحرج والضيق المعنوي عن المكلّف في كلا طرفي الشيء ولا ريب أنّه حاصل في المقام ، وفرق واضح بين أن يكون له ضيقان أو ضيق واحد.