والتوجّه النفساني المتّصل بالإيجاد.
والفرق بينها وبين الاولى أنّها تتعلّق بالإيجاد الّذي هو مبدأ للوجود والاولى ميل نفساني متعلّق بذات الفعل لرجحانه من دون ملاحظة إيجاده وهي خارجة عن اختيار المكلّف مترتّبة على ما سبق من الامور الغير الاختياريّة ، بخلاف الثانية فإنّها اختياريّة كما يشهد به ضرورة الوجدان غير مرتّبة على شيء من الامور المذكورة الغير الاختياريّة السابقة عليها بدليل مفارقتها عنها جميعا كما في صورة تقديم المرجوح على الراجح ، فإنّه ممكن عقلا بل واقع حسّا وهذه الإرادة هي الّتي تبطل الجبر ، كما أنّ ما سبق عليها من الامور الغير الاختياريّة الّتي منها القدرة تبطل التفويض ، وملاحظة المجموع بعين الإنصاف شاهد عدل بحقيقة ما ذهب إليه العدليّة ، ومحقّق لمصداق الحديث المعروف في نفي الجبر والتفويض.
فالفعل ليس بحيث يكون بجميع مقدّماته راجعا إلى الله سبحانه ولا هو بحيث يكون بجميع مقدّماته موكولا إلى المكلّف ، بل هو في بعض مقدّماته راجع إلى الله سبحانه وهو القدرة ونحوها بلا تفويض ، وفي بعضها الآخر راجع إلى المكلّف وهو الإرادة المتعلّقة بالإيجاد لكونها إنّما تحدث باختياره ، لقضاء الوجدان بأنّ له أن يعزم الإيجاد ولو مع عدم الرجحان ولا موافقة الغرض وله أن لا يعزمه أو يعزم عدمه ولو مع تحقّق سائر المقدّمات الراجعة إلى تحقّق المقتضي فلا جبر ، ولمّا كانت هذه الإرادة هي الجزء الأخير من العلّة التامّة وهي اختياريّة فاتّصف الفعل بواسطتها بكونه اختياريّا ، لأنّ المعلول إنّما يستند في حصوله الفعلي إلى الجزء الأخير من العلّة وهو ناش عن الاختيار ، فكان حصول الفعل ناشئا عن الاختيار.
وأمّا المانع عن الاقتضاء فالمراد به ما يوجب تقاعد المكلّف عن الإيجاد من إكراه وخوف ونحوه لا ما قد يتوهّم من إرادة الضدّ ، لأنّ المانع ما ينشأ منه العدم بعد إحراز المقتضي للوجود ، فإرادة الضدّ إن كان المراد بها ما يتبع الرجحان وغيره من الامور الخارجة عن الاختيار فعدم الضدّ الأوّل مستند إلى فقد مقتضيه لا إلى وجود المانع ، إذ لا يعقل وجود المقتضي في كلّ من الضدّين كما عرفت.
وإن كان المراد بها ما يحدث باختيار المكلّف المقارن للوجود فهي وإن كانت لا تنوط بوجود المقتضي ولكن انتفاء الضدّ الآخر حينئذ المشتمل على وجود المقتضي ليس من جهته بل من جهة انتفاء الجزء الأخير من علّة وجوده كما هو قضيّة جواز مصادفة