لما هو مقرّر من أنّ ترك الحرام لابدّ وأن يتحقّق في ضمن فعل من الأفعال * ،
__________________
وهذا المعنى ممّا يقتضيه احتجاجهم عن الكعبي بوجوب ما لا يتمّ الواجب إلاّ به ، إلاّ أنّ المستفاد من شرح الشرح كون ذلك توجيها في احتجاجه المتقدّم الّذي نقله السيّد في المنية القاضي بكون فعل المباح عين ترك الحرام ، وإنّما وجّهوه بذلك لوضوح بطلانه في الأنظار المستقيمة.
فلأجل تلك الاختلافات في تقرير هذه الشبهة قال بعض الأعلام : « والمنقول عنه مشتبه المقصود ، فقد يقال : إنّ مراده أنّ كلّ ما هو مباح عند الجمهور فهو واجب عنده ، وقد يقال : إنّ مراده أنّ كلّ ما كان مباحا بالذات فهو واجب بالعرض ».
وأشار إلى التقريرين أيضا في الزبدة بقوله : « المباح موجود إجماعا واستدلال الكعبي على وجوبه بأنّ ترك الحرام لا يتمّ إلاّ به أو هو هو مع مصادمته للإجماع مدخول » مفسّرا لقوله : « هو هو » في الحاشية : بأنّ فعل المباح بعينه ترك الحرام ، كإطباق الفم فإنّه ترك للقذف.
وظنّي أنّ الصحيح من مذهبه على ما يشهد به التتبّع هو دعوى العينيّة القاضية بالوجوب الذاتي ، والصحيح من مستنده ما تقدّم عن المنية وذكره المدقّق أيضا ، وما ذكر من الدليل الآخر فهو توجيه لهذا المستند تصحيحا له على حسب الظاهر ، كما أنّ ما ذكر من إرادة الوجوب بالعرض تأويل في مذهبه جمعا بين دليله والإجماع على وجود المباح كما عرفت.
* وهذا وجه أخذه بعض الأعلام دليلا مستقلاّ على مذهب الكعبي ، ولم نجد من يذكره في جملة احتجاجه أو كلامه المنقول عنه بل المنقول عنه ، صريحا وتأويلا الوجهان المتقدّمان ، ولعلّه وهم أوقعه فيه كلام المصنّف غفلة عن أنّه ليس بصدد نقل الاحتجاج عن الكعبي ، بل غرضه من هذا الكلام إيراد نقض على من جعل الأمر بالشيء نهيا عن الضدّ الخاصّ من جهة قاعدة الاستلزام ، وقضيّة عدم جواز اختلاف المتلازمين في الحكم.
ومحصّل مراده : أنّ المتشبّثين بذلك الوجه هنا يلزمهم الالتزام بشبهة الكعبي لجريان دليلهم المذكور في عكس القضيّة أيضا ، بتقرير أنّ فعل المباح مستلزم لترك الحرام وهو واجب ففعل المباح واجب ، لأنّ مستلزم الواجب واجب.