جميع الصور حتّى يتفرّع عليه وجوبه مطلقا حسبما ادّعاه الكعبي.
ونظير ذلك تسخين الماء لاستعماله في الطهارة إذا توقّف حصوله على الماء الحارّ من جهة جراحة في العضو أو برودة أو نحوها ، فيجب حينئذ لكونه مقدّمة المقدّمة ولا يلزم منه وجوبه في غير موضع الحاجة وعدم توقّف الاستعمال عليه.
ومثله قطع مسافة الحجّ إذا افتقر لمرض أو كبر إلى الركوب على السرير فيجب تحصيل السرير حينئذ لمقدّمة المقدّمة ، ولا يلزم ذلك وجوبه في غير هذا الموضع لعدم توقّف للمقدّمة عليه حينئذ.
وأمّا ما يجاب أيضا عن الاعتراض : بأنّه إذا حصل الصارف الّذي هو أحد الأمرين انتفى وجوب الآخر فيبقى سائر الأضداد الخاصّة على إباحتها.
ففيه : ما أشرنا إليه سابقا وذكرناه في بحث المقدّمة.
وأجاب الفاضل المذكور عن الاعتراض بما يقضي بكون المراد بالصارف عدم الإرادة بالمعنى الأوّل الخارجة عن اختيار المكلّف مع اعترافه بذلك ، مفسّرا لها بميل النفس إلى أحد الجانبين من الفعل والترك بعد ملاحظة ما يترتّب عليهما من الثمرات والغايات التابع لما عليه النفس من السعادة والشقاوة وغلبة جهة الحقّ والباطل وغير ذلك من الصفات التابعة للأفعال.
فقال ـ بعد ما فسّره به ـ : « إن كان الصارف عن الفعل حاصلا حصل الترك من غير أن يتوقّف حصوله على الإتيان بضدّ من الأضداد ، وإنّما يكون الإتيان به من لوازم وجود المكلّف إن قيل بامتناع خلوّه عن الفعل ، وإن لم يكن حاصلا وتوقّف الترك على الإتيان بالضدّ وجب ذلك من باب المقدّمة ».
وهو ليس بسديد لا لما قيل من أنّ خروج الداعي عن اختيار المكلّف لا ينافي تخييره بين ذلك وما يكون حصوله باختياره ، نظرا إلى قيام الوجوب في المخيّر بأحدهما ، ومن الظاهر أنّه إذا كان واحدا منهما مقدورا كان القدر الجامع بينهما مقدورا فيصحّ التكليف به ، فإن حصل الغير المقدور اكتفى به في سقوط الواجب وإلاّ وجب عليه الإتيان بالآخر.
ليرد عليه : أنّ تعلّق الوجوب بالقدر المشترك هنا غير معقول وإنّما يجب المقدور بعينه ، وغيره حيثما يحصل من باب الاتّفاق مسقط عنه لا أنّه أحد الفردين ، بل لمنافاة تصريحهم بوجوب الصارف من باب المقدّمة دون غيره من الأضداد الوجوديّة ، وفي كلام المصنّف فيما يأتي تصريح بوجوبه إذا كان عن الحرام وبحرمته إذا كان عن الواجب ، وهو لا يستقيم