واللازم من ذلك تخيير المكلّف بين الأمرين فيكون الإتيان بالضدّ المباح أحد قسمي الواجب التخييري بل هو عين مقصود المستدلّ.
ومراده بالتقرير المذكور ما ذكره في شرح العبارة من أنّه إن تحقّق الصارف عن الحرام تفرّع عليه الترك ولم يتوقّف على أمر آخر من الإتيان بالضدّ أو غيره ، وإن لم يتحقّق الصارف عنه وتوقّف الترك على فعل ضدّ من أضداده لزم القول بوجوبه بناءا على القول بوجوب المقدّمة ولا يلزم منه نفي المباح رأسا.
فإنّ الاعتراض إنّما يتوجّه إلى هذا التقرير لو كان مفاده كون القضيّة فيما بين فعل الضدّ وحصول الصارف على حدّ الانفصال الحقيقي ، أو منع الجمع كما هو الشأن في كلّ واجب مخيّر بالقياس إلى فرديه أو أفراده ، ونظيره في مقدّمات الواجب قطع مسافة الحجّ إذا كان له طريقان أو أكثر ، ونصب السلّم للكون على السطح إذا كان هناك سلّمان أو أكثر ، فلابدّ في وجوده من أحد الأمرين إمّا هذا أو ذاك على نحو لو تحقّق كلّ منهما كان الآخر لازم المفارقة عنه ولا يجتمع معه في ظرف الوجود أو حال التأثير ، وليس كذلك الحال في المقام إذ الصارف بمعنى عدم الإرادة لا يفارق الترك أبدا ، ومعنى كون المباح أحد الفردين من الواجب المخيّر إمكان استناد الترك إليه مفارقا عن الصارف وهو في غير صورة الاكراه غير معقول (١) ومعه يستند الترك إلى الإكراه لا فعل الضدّ الحاصل في ضمنه.
ومعنى قولهم : « مع انتفاء الصارف يتوقّف الترك على فعل المباح فيجب ولا يلزم منه محذور » ليس أنّ فعل المباح قد يتوقّف عليه ترك الحرام بلا توسّط شيء ، بل معناه : أنّه قد يتوقّف عليه من جهة توقّف حصول الصارف الّذي هو من اللوازم المساوية للترك عليه في بعض الصور ، كما لو علم المكلّف أنّه لو لم يفعل المباح لانتفى عنه الصارف فوقع في المحرّم فيكون فعل المباح مقدّمة للمقدّمة في تلك الصورة ، لتوقّف حصول الصارف فيما بعد ذلك على حصوله في ذلك الآن ، فلا يلزم من ذلك كونه ممّا يتوقّف عليه الترك في
__________________
(١) لأنّ فعل الضدّ مسبوق بإرادته أبدا وهى مضادّة لإرادة الحرام فيكون وجود الصارف من لوازم إرادة الفعل على مذهبنا ، ومن مقدّمات الفعل على مذهب المصنّف وغيره ، ففعل الضدّ أبدا مسبوق بوجود الصارف الّذي فرض كونه سببا لترك الحرام ، فالترك دائما مستند الى وجود الصارف فيبقى فعل المباح على إباحته.
نعم قد يستند وجود الصارف إلى فعل المباح ويتوقّف عليه في بعض الأحيان فيجب هذا الفعل حينئذ من هذه الجهة ولا يلزم منه وجوبه فيما لو لم يتوقّف عليه ترك الحرام ولا سببه الّذي هو الصارف فليتأمّل. ( منه عفي عنه ).