السبب هو الصارف ، والمراد به عندهم ـ على ما يظهر بالتتبّع ـ عدم الإرادة ، ولكن لا بالمعنى الّذي ينشأ عن الرجحان والاعتقاد به ، لأنّه كنفس الاعتقاد من الأمور الخارجة عن اختيار المكلّف كالقدرة ونحوها فلا يصلح موردا للتكليف حتّى يكون واجبا ، بل بمعنى العزم على إيجاد الفعل الّذي كان منوطا باختيار المكلّف ومشيّته ، فيجب على المكلّف مقدّمة أن لا يعزم على إيجاد المحرّم ومعه يحصل الترك بلا افتقار له إلى فعل آخر من مباح أو غيره ، بحيث لو حصل في ضمنه فعل آخر لكان من باب المقارنة بلا تأثير له في حصوله ، فكان وجوده وعدمه بالقياس إليه على حدّ سواء ، فلا يكون فعل المباح مقدّمة حتّى يجب ، لا أنّه مقدّمة وليس بواجب لينافي إطلاق القول بوجوب المقدّمة ، وقد تقدّم في ذيل بحث المقدّمة عند البحث عن مقدّمة الحرام ما يوضح ذلك.
وبيانه الإجمالي هنا : أنّ مقدّمة الشيء عبارة عمّا يتوقّف عليه ذلك الشيء ، ومعنى توقّفه عليه كونه مؤثّرا في وجوده وأنّه لا يتّفق له الوجود على تقدير عدمه ، بل ولا يعقل ولو في نظر العرف والعادة ، ولا يصحّ فرض الوجود لذلك الشيء على كلا تقديري وجوده وعدمه كما هو لازم انتفاء المقدّميّة ، كقطع المسافة للحجّ حيث لا يعقل للحجّ وجود على تقدير عدمه ، ولا يصحّ فرض الوجود له على كلا تقديري القطع وعدمه ، بل هو ممكن الوجود على تقدير حصول القطع ويمتنع وجوده على تقدير عدم حصول القطع ، وليس الحال في فعل المباح مع وجود الصارف بالنظر إلى ترك الحرام كذلك ، إذ بمجرّد وجود الصارف يحصل الترك جزما سواء حصل معه مباح أو لم يحصل ، كيف ولو كان مقدّمة لزم أن لا يحصل الترك لو فرض مصادفة عدمه لوجود الصارف ، كما أنّه لا يحصل على تقدير مصادفة عدمه لانتفاء الصارف وهو بديهي البطلان.
وقضيّة ذلك عدم وجوب المباح عند ترك الحرام عينا ولا تخييرا.
أمّا الأوّل : فلأنّ وجود الصارف من المقدّمات جزما.
وأمّا الثاني : فلأنّ وجوبه التخييري فرع كونه من أفراد المقدّمة وقد فرضنا خلافه.
وبذلك يندفع الاعتراض الّذي حكاه بعض الأفاضل على العبارة ، بأنّ الصارف عن الحرام إن كان خارجا عن قدرة المكلّف واختياره كان الإتيان بالمحرّم ممتنعا بالنسبة إليه ، ومعه يرتفع التكليف فلا تحريم وهو خروج عن الفرض ، وإن كان تحت قدرته فقضيّة التقرير المذكور كون كلّ من الصارف وفعل الضدّ كافيا في أداء الواجب أعني ترك الحرام ،