والتحقيق في ردّه : أنّه مع وجود الصارف عن الحرام ، لا يحتاج الترك إلى شيء من الأفعال * (١) ،
__________________
إليه هو الصارف عن فعل الحرام ـ أعني عدم إرادته من أصله ، أو لإرادة ضدّه المفروض المتقدّمة على فعله ـ ولو سلّم كون فعل الضدّ سببا فهو من أحد الأسباب ، إذ كما يستند عدم الشيء إلى وجود المانع فقد يستند إلى عدم المقتضي أو انتفاء الشرط فلا يتوقّف ترك الحرام على خصوص الإتيان بفعل الضدّ ، ولا يقضي ذلك بوجوب كلّ من تلك الأسباب على وجه التخيير ليعود المحذور ، إلى آخره.
ولا يخفى ما فيه من خروجه عن السداد ، والأولى في دفع الاعتراض أن يقال : إنّ من يقول باختصاص وجوب المقدّمة بالسبب ليس مراده بالسبب ما يطلق عليه اسم السبب بل ما اعتبر فيه الاستلزام من
الطرفين ، وفعل المباح الّذي هو مانع عن ارتكاب الحرام ليس بهذه المثابة ، كما يرشد إليه تعريف المانع بأنّه ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه الوجود.
غاية الأمر أنّه يرد عليه : أنّ الحجّة المقامة على وجوب السبب بهذا المعنى تقضي بوجوب غيره من المقدّمات أيضا ، إذ كما أنّ القدرة لا تتعلّق على المسبّبات بدون الأسباب فكذلك لا يتعلّق بالمشروط مع عدم الشروط ومنها عدم المانع ، وهذا كلام آخر لا مدخل للاعتراض المذكور فيه وقد نبّهنا عليه في بحث المقدّمة.
ثمّ إنّ من جملة من ضاق عليه الأمر في هذا المقام لإطلاق قوله بوجوب المقدّمة الآمدي على ما حكاه بعض الأفاضل ، حيث قال : « وقد استصعب ذلك على الآمدي فعجز عن حلّ الإشكال لاختياره وجوب المقدّمة ، قائلا : بأنّه لا مناص عنه إلاّ بمنع وجوب ما لا يتمّ الواجب إلاّ به وفيه خرق للقاعدة الممهّدة على اصول الأصحاب.
ثمّ ذكر أنّ ما ذكره الكعبي في غاية الغموض والإشكال ، وعسى أن يكون عند غيري حلّه » انتهى.
وفي ظنّي أنّ هذا إشكال تولّد عن توهّم المقدّمية المبنيّة على تمانع الأضداد الوجوديّة ، فيكون من أقوى الشواهد على بطلان التوهّم وفساد مبناه.
* وتوضيح مقصوده : أنّ ترك الحرام وإن كان واجبا ولكنّه يتوقّف على وجود الصارف ، فيكون الواجب على المكلّف على القول بوجوب المقدّمة مطلقا حتّى في غير