الجماعة بإباحته ولا الكعبي بوجوبه.
فإن قلت : استناد العلّة الاولى إلى المكلّف لصدورها عنه كاف في صحّة استناد الباقي إليه ، وإن لم يكن أثرا حاصلا من تأثيره.
قلت : إن اريد بالاستناد إليه ما يكون حقيقيّا فهو عدول عن الفرض ، إذ لا يكون كذلك إلاّ إذا كان تأثيرا له على سبيل الحقيقة ، وإن اريد به ما يكون مجازيّا باعتبار استناده حقيقة إلى ما يستند إليه حقيقة فيصحّ أن يستند إليه أيضا من جهة السببيّة فهو غير مجد في صحّة تعلّق التكليف به ، لإناطته بما يستند إليه بعنوان الحقيقة ويعدّ من أفعاله باعتبار الواقع ، على أنّه لو صحّ ذلك لزم أن يكون جميع الصفات التوليديّة الحاصلة فيه المستندة إلى فعله الاختياري المعدّ لها ـ كعلمه الحاصل عن نظره ، وحبّه وبغضه الحاصلين عن النظر في مبادئهما ، ولون يده الحاصل بتلطيخها بالحناء ، والحرارة والبرودة الحاصلتين بجلوسه عند النار والبرد ، ونحو ذلك ممّا لا يحصى عددا ـ محلاّ للتكليف ومناطا للثواب والعقاب ، فيلزم أن يكون اللون الحاصل بحناء مغصوب والسكر الحاصل من شربه للخمر حراما وهو كما ترى.
فإن قلت : قياس محلّ الكلام على الامور المذكورة مع الفارق لخروجها بالمرّة عن تحت قدرة المكلّف ، فهو بعد إيجاد أسبابها الموجبة لحصولها لا يقدر على رفعها وإزالتها عن نفسه بخلاف المقام ، فإنّ الأكوان المتجدّدة أو الكون الباقي وإن لم يستند إلى المكلّف استنادا تامّا ولكن لقدرته مدخل فيها قطعا ، لظهور أنّ تجدّدها آنا فآنا أو بقاءها في آنات متعدّدة مشروط بعدم إرادته رفعها ، وهذا القدر من الاستناد كاف في صحّة التكليف.
قلت : القدرة على رفع المسبّب فرع القدرة على رفع السبب ، والسبب إذا كان هو الكون أو الكون السابق على الكون اللاحق فهو معدوم والقدرة لا تتعلّق بالمعدوم ، مضافا إلى أنّه مرتفع ، فإنشاء التأثير في رفعه تحصيل للحاصل وهو أيضا محال ، فلابدّ وأن يكون متعلّق القدرة في تأثير الرفع هو الكون الحاصل فعلا أو الّذي هو في معرض الحصول ولا يعقل ذلك إلاّ إذا كان حصوله من تأثير المكلّف وهو خلاف الفرض.
وبالجملة ما ذكره الفاضل المورد احتمال سخيف لا ينبغي الالتفات إليه ، ولا يصلح إيرادا على الجماعة فيما ذكروه من البناء.
وقد سبقه إلى مثله المدقّق الشيرواني حيث قال ـ في جملة كلام له ـ : « على أنّ وجوب استناد الأكوان إلى محلّه ممنوع ، لجواز أن يستند الحركة والسكون في الجسم إلى