وأمّا مع انتفاء الصارف وتوقّف الامتثال * على فعل منها ـ للعلم بأنّه لا يتحقّق الترك ولا يحصل إلاّ مع فعله ـ فمن يقول بوجوب ما لا يتمّ الواجب إلاّ به
__________________
أنّ ترك الحرام يستند إلى وجود الصارف بلا مدخليّة لفعل الضدّ في ضمنه ، فيكون استشهادا عليه بأنّه في عدم افتقاره إلى فعل الضدّ بحيث إنّه يتحقّق على التقدير الثالث بلا حصول فعل معه ، فيكون ذلك كاشفا عن أنّ الفعل الوجودي حيثما حصل في ضمنه كان من باب المقارنة الاتّفاقيّة والاستلزام الأحياني.
وقد يورد (١) على العبارة : بأنّ الكلام فيما يصحّ وصفه بالإباحة هل يخلو المكلّف عنه أو لا؟ ومن البيّن أنّ الكون الباقي وإن لم يتحقّق فيه التأثير يوصف بالإباحة.
ألا ترى أنّ الساكن في المكان المغصوب سكونا مستمرّا يوصف بفعل الحرام عند القائل باستغناء الباقي عن المؤثّر ، حتّى أنّ عقابه يزيد باستمرار السكون فيتّصف بالإباحة أيضا.
نعم لو لم يتعلّق ببقاء الفعل إباحة وحرمة عند القائل بالاستغناء لكان لما ذكره وجه في الجملة وليس الأمر كذلك.
وأنت بالتأمّل فيما قرّرناه تعرف ما فيه أيضا ، فإنّ صحّة وصف الباقي عند القائل بالاستغناء بالإباحة والحرمة إن اريد به وصفه بعنوان الحقيقة بهما ، ففيه منع واضح ، كيف وأنّ الأحكام لا تتعلّق إلاّ بما يكون للمكلّف فيه تأثير بعنوان الحقيقة والمفروض خلافه ، ولا ينتقض ذلك بتعلّق التكليف في ظاهر الخطاب بالمسبّبات الّتي تكون من مقولة التوليديّات الخارجة عن اختيار المكلّف ، لما تقدّم في بحث المقدّمة من أنّه تعلّق ظاهري ، بدليل أنّ المكلّف لا يتصوّر عند إنشاء التكليف إلاّ الأسباب فيكون متعلّقه في الواقع هو الأسباب ، ولا ينافيه التعبير في الخطاب بالمسبّبات لأنّه حينئذ من باب ذكر المسبّب وإرادة السبب مجازا ولا ضير فيه بعد قيام القرينة العقليّة.
وإن اريد به وصفه بهما باعتبار المبدأ الّذي هو منشأ له ولو على سبيل التجوّز فهو غير مجد في المقام ، لكون الكلام فيما يصحّ وصفه بهما بعنوان الحقيقة والمفروض خلافه.
* ولا يخفى أنّ الصارف إن اريد به هنا عدم الميل والشوق النفسانيّين التابعين لاعتقاد عدم الرجحان أو عدم اعتقاد الرجحان ـ حسبما تقدّم ـ أمكن فرض انتفائه في جميع
__________________
(١) المورد هو المدقّق الشيرواني ( منه ).