بما هو كلّي لهما من باب الأمر بالمتضادّين في زمان واحد فيقبح على الحكيم ، لأنّه لم يكن أمر بهما في فرديهما المتعارضين وإنّما أمر بهما لا بشرط شيء.
ومن البيّن أنّ الأمر بالكلّيّين لا بشرط شيء لا يعدّ عقلا ولا عرفا من الأمر بالمتضادّين حيث لم يكن بينهما مضادّة أصلا ، وما حصل من المضادّة بين فرديهما ليس من قبله ، بل هو من قبل المكلّف حيث أخّر أداء أحدهما إلى أن يتضيّق وقته ، فكان آثما من جهة سوء اختياره ، وذلك لا يقضي بعدم كونه ممتثلا بالقياس إلى الآخر الّذي أتى بما ينطبق عليه من أفراده.
وإن لم يكن ذلك المعارض شبيها له في الفرديّة لعنوان كلّي آخر مأمور به ، بأن كان هو بعينه مأمورا به كالمضيّق بالأصالة فهو حينئذ قد يكون في مصادفة ذلك المفروض الفرد الأوّل من الأفراد المرتّبة ، كما لو كان المكلّف مريدا لأداء الكلّي المأمور به في أوّل الوقت فحصل له الابتلاء بواجب مضيّق من أداء شهادة أو إزالة نجاسة عن المسجد أو أداء دين ونحو ذلك ، وقد يكون الفرد الثاني وهكذا إلى آخر الأفراد المرتّبة ، ضرورة أنّ فرض الابتلاء بالواجب المضيّق مع دخول وقت الموسّع لا ينحصر في أوّل وقت الموسّع ، بل قد يحصل في وسطه وقد يحصل في آخره.
والصورة الثالثة تكون من باب تزاحم المضيّقين اللذين أحدهما مضيّق بالأصالة والآخر بالعارض.
ولا ندري أنّ هذا القائل الّذي أحدث المقالة المذكورة أيّ شيء يقول في تلك الصورة ، فإن قال فيها أيضا بعدم الأمر بالنسبة إلى المضيّق بالعارض فهو مع أنّه مجازفة مخالف لتصريحهم في المضيّقين المحكوم فيهما بالتخيير أو تقديم الأهمّ بعدم الفرق بين المضيّق بالأصالة والمضيّق بالعارض.
ولعلّه يستفاد عن كلام هذا القائل أيضا حيث أطلق في الحكم بالتخيير ، بل ولعلّه قريب من كونه خلافا للإجماع كما لا يخفى.
وإن كان بناؤه فيها على التخيير فكيف يقول به مع أنّه يوجب التخصيص في القاعدة العقليّة الّتي تمسّك بها في دعواه عدم الأمر بالموسّع مع معارضته للمضيّق ، فإنّها إن تمّت وانتهضت دليلا على مطلوبه غير فارقة بين ما لو صادف المضيّق لأوّل وقت الموسّع أو وسطه أو آخره ، فعلى كلّ تقدير تقضي بخروج الفرد من الموسّع الّذي يزاحم المضيّق ويضادّه عن تحته في تعلّق الأمر ، به ومعه كيف يقال بالتخيير الّذي هو فرع للأمر.