وبالجملة : كون الاستفهام تقريريّا يجامع كلاّ من احتمالي الندب والوجوب ، إلاّ أنّ قضيّة ظهور لفظ « الأمر » في الوجوب يعيّنه مراد من الصيغة ، والمفروض انتفاء القرينة عنهما معا ولو بحكم الأصل.
وعن الثاني : بأنّ العبرة في أمثال المقام إنّما هو بالقرب العرفي الّذي هو في جانب الإنكاري ، من حيث صيرورته من المجازات الشايعة كما يشهد به ملاحظة الاستعمالات الواردة في العرف.
ولو سلّم فالمراد بالندب الّذي لا ينافيه التقرير إن كان مجرّد الاحتمال بزعم أنّه ممّا يوجب سقوط الاستدلال ، فيردّه : أنّه احتمال بملاحظة فساد لازمه ـ على ما تعرفه ـ مرجوح بالقياس إلى ما يقابله ، فلا يصلح للمعارضة حتّى يترتّب ما ذكر.
وإن كان تعيّنه ، فيردّه : مع أنّه مخالف للإجماع لزومه مجازين لا يصار إلى أحدهما بغير دليل كيف ومع كليهما ، مجاز في الاستفهام ومجاز في لفظ « الأمر » فلابدّ في الخروج عن الأصل ـ عملا بالدليل القاضي بتعذّر الحقيقة بالقياس إلى الاستفهام ـ من الاقتصار على مجاز واحد ، فلا وجه لحمل « الأمر » على الندب من دون شاهد وهو مناف لعدم كون الصيغة هنا للوجوب.
ولقد عرفت تجرّدها عن القرينة ولو بحكم الأصل ، فلا حاجة حينئذ في دفع الإشكال إلى أن يقال : بأنّ الاستكبار من إبليس لم يكن على الله سبحانه ليكون محرّما ، بل كان على آدم فيرجع بالنسبة إلى الله تعالى إلى محض المخالفة التبعيّة الغير المقصودة بالذات المتولّدة من المخالفة الحاصلة من الحميّة والعصبيّة ، وهذه شيء ربّما يعدّ من تبعها في عداد المقصّرين.
حتّى يرد عليه تارة : أنّ الترك الصادر من ابليس قد كان على جهة الإنكار ، وكان استكباره على آدم باعثا على إنكاره رجحان السجود ، ولا شكّ إذن في تحريمه بل بعثه على الكفر ، فهناك امور ثلاثة إباؤه للسجود ، واستكباره على آدم ، وإنكاره لرجحان السجود الراجح المأمور به من الله تعالى ، بل دعوى قبحه لاشتماله على تفضيل المفضول ، ولا ريب في بعثه على الكفر ، كما لو أنكر أحد أحد المندوبات الثابتة بضرورة الدين وكان في قوله تعالى ( أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ )(١) إشارة إلى الامور الثلاثة ، فليس عصيانه
__________________
(١) البقرة : ٣٤.