المفروض مجرّد ترك الواجب ، بل معصية باعثة على الكفر ، سيّما بالنظر إلى ما كان له من القرب والفطانة وغاية العلم والمعرفة.
واخرى : بأنّ ذلك مبتن على أنّ الاستكبار وإظهاره ولا سيّما على مثل آدم عليهالسلام وترك طاعته تعالى في استحقاره لا يوجب الطرد واللعنة ، سيّما بالنسبة إلى الذين يرون أنفسهم بمكان من عبوديّته والانقياد إليه ، وهذا كلّه في محلّ المنع ، وممّا يدلّ على حرمة استكباره قوله تعالى : ( أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ )(١) وقوله تعالى : ( فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها )(٢).
ومحصّل التحقيق في المقام : أنّا لا نضائق كون الاستفهام تقريريّا مطلوبا به الإقرار والاعتراف بعلّة ترك السجود وهو الاستكبار ، لا لما قيل من أنّه أقرب إلى الحقيقة ، بل لوقوع التصريح به في آية اخرى حيث يقول عزّ من قائل : ( قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ )(٣) ولكنّه لا يقضي بسقوط الاستدلال على وجوب السجود المدلول عليه بالصيغة للمخاطبين بها ، لعدم انحصار طريق الاستكشاف عنه في استفادة الذمّ والتوبيخ عن الاستفهام حتّى ينافيها حمله على التقرير ، بل إنّما نستفيدهما عن سياق الآية ، فإنّها كنظائرها من الآيات المتكرّرة في حكاية تلك واردة في سياق الذمّ والتوبيخ كما لا يخفى على من تأمّل فيها بعين الإنصاف.
ومن البيّن أنّهما فرع الوجوب ، مضافا إلى أنّ احتمال الندب منفيّ بالمحذور الّذي أشرنا إليه ، بحيث لولاهما لكفانا في إثبات المطلوب.
ولا ينافي ترتّبهما عليه قبح استكباره على آدم وإنكاره لرجحان المأمور به الموجبان لكفره وطرده ولعنه ، لجواز ترتّبهما عليه وترتّب الامور المذكورة عليهما ، فإنّ العصيان إذا تعدّد تعدّدت المؤاخذة والعقوبة بالضرورة ، والمفروض بملاحظة سياق الآيات الواردة في تلك الواقعة في مواضع عديدة متكثّرة وفقراتها المصرّح بها فيها صدرا وذيلا أنّ هناك بالنسبة إليهم تكاليف بعضها إيجابي كالسجود لآدم ، وبعضها تحريمي كالاستكبار له وإنكار رجحان السجود المكلّف به ، بل ورجحان أصل التكليف كما يقتضيه دعواه كونه خيرا من آدم ، وإنّه خلق من النار وآدم من الطين أو صلصال وحمأ مسنون ، المشعرة بقبح مثل هذا التكليف وخروجه عن موافقة الحكمة والعدالة ، فأيّ مانع من أن يترتّب الذمّ المستفاد عن السياق على مخالفة التكليف الإيجابي نظرا إلى عدم بلوغ قبحها حدّا أوجب ما زاد على
__________________
(١ و ٣) ص : ٧٥.
(٢) الأعراف : ١٣.