به احتمال كون الأمر ندبيّا ، لأنّ ترتّب الفتنة على ترك بعض المندوبات ليس من جهة استحقاق التارك إيّاها ، بل من جهة كونها ممّا أودعه الله سبحانه في متعلّق المندوب من باب الخاصيّة كسائر الخواصّ المودعة في ذوات الأشياء كما لا يخفى.
ألا ترى أنّ الإهلاك في السمّ خاصيّة يقتضيها ذاته بحسب الخلقة والتكوين ، فلذلك يترتّب على محلّه استحقّه المحلّ أو لا.
وبذلك يتّضح فساد ما قد يقال أيضا : من أنّ المقتضي للحذر إن كان وجوده مقطوعا أو مظنونا وجب الحذر مع حسن الأمر به ، وإن كان عدمه مقطوعا لا يجب الحذر مع قبح الأمر به أيضا ، أو مظنونا (١) أو وجوده وعدمه مشكوكا فيهما فلا شكّ في حسن الحذر مع حسن الأمر الندبي به ، كما ورد الأمر بالحذر في فعل بعض المكروهات وترك بعض المندوبات ، كالنهي عن الغسل بالماء المشمّس تعليلا بإيراثه للبرص الّذي هو الفتنة ، وكما ورد « إنّ من لم يفرق شعر رأسه فرق الله رأسه بمنشار من النار » (٢) مع أنّه مندوب ، فيقوم حينئذ احتمال كون الأمر بالحذر هنا ندبيّا لا وجوبيّا ، فإن إيراث البرص من خواصّ الماء المشمّس كإهلاك السمّ لا ما يستحقّه تارك الحذر ، والفرق بين المقامين واضح ، والإيراد يتّجه على الثاني دون الأوّل ، وكذا الكلام في تفريق شعر الرأس.
وبذلك يندفع أيضا ما اورد عليه : من احتمال كون التهديد بإصابة الفتنة أو العذاب الأليم على سبيل التقسيم ، بأن يراد به أنّ المخالفين لأوامره منهم من يصيبه الفتنة الظاهرة بقرينة مقابلتها العذاب في الآفات والمصائب الدنيويّة ، ومنهم من يصيبه العذاب الأليم ، فلا يفيد كون أوامره مطلقا للوجوب ، بل قضيّة ذلك جواز انقسام الأوامر إلى قسمين على حسب الغاية المترتّبة على مخالفتها ، فأقصى ما يفيده إرادة الوجوب عن بعض الأوامر وهو ما هدّد عليه بالعذاب ، وهو ممّا لا كلام فيه فلا يثبت المدّعى.
فإنّ البعض الّذي يترتّب على مخالفته الفتنة إن اريد به الأوامر الندبيّة ، ففيه : ما تقدّم من اندفاعه بظهور الآية في كون ترتّب ذلك على المخالفة على سبيل الاستحقاق من المخالف ، وما يترتّب على مخالفة الأوامر الندبيّة ـ مع أنّه لا اطّراد فيها ـ ليس بهذه المثابة كما لا يخفى ، مع أنّ الاحتمال المذكور يأباه ظهور لفظة « أو » في تعلّق الحكم بأحد
__________________
(١) أي ولا يجب الحذر لو كان عدم المقتضي للحذر مظنونا.
(٢) مستدرك الوسائل ١ : ٤٠٢ ، الباب ٣٦ من أبواب آداب الحمّام ، ح ٢.