ومع التنزّل فلا أقلّ من دلالته على حسن الحذر حينئذ ولا ريب أنّه إنّما يحسن عند قيام المقتضي للعذاب * ؛ إذ لو لم يوجد المقتضي ، لكان الحذر عنه سفها وعبثا. وذلك محال على الله سبحانه. وإذا ثبت وجود المقتضي ، ثبت أنّ الأمر للوجوب ، لأنّ المقتضى للعذاب هو مخالفة الواجب ، لا المندوب.
__________________
المقام بل هو بمراحل منه ، ومع ذلك كلّه فما يصدر من العقل في أمثال المقام لا يزيد على الإرشاد المحض ، وليس ذلك أيضا من المطلوب في شيء ، ومع الغضّ عن جميع ما ذكر فالاستناد بحكم العقل ـ حسبما قرّر ـ خروج عن الاستدلال بالآية كما لا يخفى.
* ولا يخفى أنّه كما يحسن الحذر عند قيام المقتضي للعذاب وهو مخالفة الواجب محقّقا فكذلك يحسن عند احتمال قيام ذلك المقتضي ، والّذي يجدي في دفع الإشكال إنّما هو الأوّل لكون الثاني مولّدا عن احتمال إرادة الوجوب من الأمر ، ولا ملازمة بينها وبين الوضع لغة ، لكونها ممّا يجامع جميع الاحتمالات الجارية في « الأمر » على حسب الأقوال المتقدّمة.
فمدفع الإشكال حينئذ ـ على ما يقتضيه النظر ـ إنّما هو بمنع توقّف دلالة الآية على كون صيغة الأمر للوجوب على كون « الأمر » الوارد فيها للوجوب ، بل لو كان للإرشاد أو الإنذار لكفى في الدلالة على المطلوب بالتقريب المتقدّم فلا دور حينئذ أصلا.
وبذلك يندفع أيضا ما قيل على الاحتجاج بالآية من منع كون مطلق التهديد على الترك دليلا على الوجوب ، وإنّما يصلح دليلا عليه إذا وقع التهديد بعذاب يترتّب على ترك المأمور به على سبيل التعيين دون الاحتمال وهو غير حاصل في المقام ، لدورانه بين الفتنة والعذاب ، ولا مانع من ترتّب الفتنة على ترك بعض المندوبات.
فغاية ما يفيده التهديد المذكور مرجوحيّة المخالفة من احتمال ترتّب الفتنة الحاصل بمخالفة الأمر الندبي ، أو العذاب الحاصل بمخالفة الأمر الوجوبي ، فلا ينافي القول باشتراك « الأمر » بين الوجوب والندب لفظيّا أو معنويّا ، بل وغيرهما أيضا لقيام احتمال الوجوب القاضي باحتمال ترتّب العذاب على الترك ، فيصحّ الكلام المذكور وإن لم يستعمل شيء من الأوامر في الوجوب.
ومحصّل الاندفاع : أنّ ظاهر الآية كون ترتّب أحد الأمرين على مخالفة الأمر إنّما هو على جهة الاستحقاق ، بمعنى كون المخالفة بحيث يستحقّ فاعلها أحدهما ، فيسقط