قلنا : هذا الأمر للإيجاب والإلزام قطعا إذ لا معنى لندب الحذر وإباحته *.
__________________
التهديد ، ولا يخفى فساد ما ظنّ ، وأنت خبير بوقوع ذلك في غير محلّه.
فإنّ مفاد قوله : ( فَلْيَحْذَرِ ) ليس إلاّ التحذير ، وهو على ما تقدّم مرادف للتهديد أو قريب منه ، فدلالة الآية عليه ممّا لا سبيل لأحد إلى إنكاره ، وكلام المورد إنّما يرجع إلى منع الملازمة بينه وبين الوجوب وهو بظاهره كلام متين ، لشيوع وقوع التهديد شرعا وعرفا في مقام الاحتياط الّذي هو راجح على كلّ حال ، وإلى ذلك ينظر الأخبار الواردة في هذا الباب ـ على ما هو التحقيق ـ من عدم إفادتها أزيد من ذلك ، كما يأتي تفصيل البحث فيها في محلّه ، ونظيرها قولك ـ لصاحبك الّذي يريد سير طريق مخوف ـ : « احذر عن هذا الطريق مخافة أن يفاجئك لصّ أو أسد. »
* قد عرفت ما يقضي بوهن هذا الكلام إن اريد به إنكار سنخ الندب بالإضافة إلى الحذر ، فإنّ « الأمر » في وجوبه وندبه يدور على كون الباعث عليه من فوات مصلحة أو لزوم مفسدة أمرا محقّقا أو محتملا.
ولا ريب أنّه لا وجوب على الثاني إنّ جوّزنا تعلّقه بهذا ، وإلاّ ففيه المنع المتقدّم من عدم كونه كنظائره من الطلبيّات فضلا عن إيجابها.
لا يقال : مجرّد قيام الاحتمال كاف في وجوب الحذر ، لوجوب دفع الضرر المحتمل عقلا ، لأنّ هذا الوجوب ـ على فرض تسليمه ـ ليس ممّا هو مقصود بالعنوان فإنّ الكلام إنّما هو في الوجوب الواقعي ، وما يثبت بحكم العقل عند قيام احتمال الضرر وجوب ظاهري ولا ربط بين المقامين ، على أنّ « الأمر » في اللغة لو كان للوجوب فهو بإزاء الأوّل ، إذ الثاني ربّما يثبت على تقدير كونه فيها للندب أو الإباحة أو غيرهما أيضا ، مع أنّه لو عمّمنا في محلّ البحث بحيث يتناول كلاّ من الواقعي والظاهري أيضا لما كان لما ذكر مدخل في ذلك ، إذ الكلام في وجوب هو مفاد اللفظ لغة ولو في مرحلة الظاهر ، وما ثبت بحكم العقل ليس من حيث كونه مفاد اللفظ لغة بل هو حكم عقلي نشأ منه بملاحظة اللفظ تبعا كسائر الأحكام العقليّة التبعيّة ، ولا يخفى أنّه ليس باعتبار وضع اللغة في شيء حيث إنّ العقل لاقضاء له بذلك أصلا.
غاية الأمر ـ على تقدير التسليم ـ قضاؤه بكونه مرادا ، وأين ذلك ممّا هو مطلوب في