فإن قيل : الآية إنّما دلّت على أنّ مخالف الأمر مأمور بالحذر * ، ولا دلالة في ذلك على وجوبه إلاّ بتقدير كون الأمر للوجوب ، وهو عين المتنازع فيه.
__________________
حتّى يرد عليه : أنّ ذلك إنّما يستقيم لو ثبت أوّلا من الخارج أنّ المخالفة ممّا يترتّب عليها العقاب فحينئذ إذا ورد الأمر بالحذر عنها نحمله على ما ذكر ، وأمّا الحمل عليه بمجرّد الآية فغير ظاهر الوجه.
ولا إلى أن يتكلّف بأنّ الحذر من العذاب ممكن حال المخالفة وبعدها بإيقاع عدم المخالفة بدلا عن المخالفة في الزمان الّذي وقعت فيه المخالفة وإنّما الممتنع الحذر بشرط المخالفة لا في زمان المخالفة ، كما في تكليف الكافر بالإسلام وفروعه في حال الكفر.
حتّى نردّه : بأنّ مدرك هذا الكلام ـ وهو عدم كون الامتناع بالاختيار منافيا للاختيار ـ وارد عندنا على خلاف التحقيق فضلا عنه نفسه.
ولا إلى أن يتكلّف أيضا بما هو أهون ممّا تقدّم من جعل الأمر بالحذر للتعجيز نظير قوله تعالى : ( فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ )(١) أو التهكّم إشارة إلى أنّهم لا يقدرون على الحذر بعد المخالفة ، فيصير الاستدلال بها حينئذ أقوى ، أو أنّ المراد بـ « الّذين يخالفون » هم الّذين يريدون المخالفة ولم تقع بعد منهم المخالفة ، ولا شكّ حينئذ يتصوّر منهم الحذر عن العذاب المترتّب على المخالفة ، بأن لا يفعلوا المخالفة فلا يحصل لهم العذاب ، حتّى يتوجّه إلى المنع كونه ممّا يأباه ظاهر الآية سياقا ومتنا. (٢)
* ومحصّل الإيراد : أنّ الاستدلال بالآية دوريّ ، لتوقّف كون قوله : « فليحذر » مفيدا لوجوب الحذر على كون مطلق الصيغة للوجوب.
وقد يعترض عليه : بأنّ مناط الاستدلال أنّ الآية تدلّ على التهديد على مخالفة الأمر ، والتهديد لا يكون إلاّ على مخالفة الواجب ، وما ذكره المعترض بظاهره ليس داخلا في شيء من المقدّمتين ، فكأنّه استنبط دلالة الآية على التهديد من لفظ « الأمر » وظنّ أنّ دلالته عليه تتوقّف على كون هذا الأمر للوجوب ، فمنع ذلك يرجع إلى منع دلالة الآية على
__________________
(١) البقرة : ٢٣.
(٢) ولا يخفى أنّ الأجوبة المشار إليها مذكورة في كلام سلطان العلماء ، كما أنّ أصل المناقشة مذكورة في كلامه وكلام ابن المصنّف ، مع الأوّل من الأجوبة وردّه ( منه ).