اللهَ وَرَسُولَهُ )(١) ونحو ذلك ، فلا يستفاد منه طلب فضلا عن الوجوب ، بل المراد به بيان ما هو مصلحة المأمورين في الواقع من التحرّز عن مخالفة الأمر المتوجّه إليهم ، لما في المخالفة من المفاسد المترتّبة عليها من استحقاق إصابة الفتنة أو عذاب أليم ، فيكون إرشاديّا نظير قولك لصاحبك : « اتّق الأسد » و « احذر الغضنفر » ونحو ذلك ، ولا ينافيه كونه للتهديد أيضا لما فيه من تعدّد الاعتبارين ، فإنّه بالقياس إلى ترك مخالفة الأمر إرشاد لكونه محصّلا للمصلحة ، وبالنظر إلى المخالفة تهديد أو إنذار لكونها موجبة لترتّب أحد الأمرين ، وعلى هذا القياس أوامر الطبيب وأمثاله فإنّها إرشاد وتهديد باعتباري الفعل والترك.
غاية الأمر أنّهما ينفردان في كون أحدهما مدلولا مطابقيّا مقصودا بالأصالة والآخر مدلولا التزاميّا مقصودا بالتبع ، كما لا يقدح ذلك في تتميم الاستدلال بالآية ، بل ولو قطع النظر عن جهة التهديد لكانت إرادة الإرشاد كافية في نهوضها على تمام المدّعى ، ضرورة أنّ اللازم الواقعي الّذي أخبر به الصادق لا ينفكّ عن ملزومه.
وبما قرّرناه يندفع المناقشة في دلالة الآية على حكم الأمر بحسب اللغة كما هو المدّعى ، بأنّ التحذير من الشيء إنّما يكون قبل وقوع ما حذّر عنه ، فلو كان الأمر للوجوب لغة لاستحقّ مخالفه العذاب لا محالة ، فالتحذير عنه حينئذ ممّا لا وجه له ، فالآية إنّما تصلح للدلالة على أنّ الأمر الوارد بعدها للوجوب وهو خلاف المدّعى المطلوب إثباته ، فإنّ المصلحة الواقعيّة إذا كانت في الحذر عن مخالفة الأمر وإنّ المخالفة ممّا يترتّب عليه مفسدة استحقاق إصابة الفتنة أو العذاب الأليم فلا يتفاوت الحال حينئذ بين أجزاء الزمان ، لتساوي نسبة الجميع إليهما كما في سائر الامور الواقعيّة ، والمفروض أنّ قوله : ( فَلْيَحْذَرِ ) ليس المراد به التكليف بالحذر حتّى يقال بامتناعه بالنسبة إلى مضيّ الأزمنة ممّا قبل نزول الآية ، لحصول الاستحقاق حينئذ بتحقّق موجبه لو كان الأمر للوجوب لغة ، فلم لا يجوز أن تنهض الآية كاشفة عمّا حصل من الاستحقاق في السابق ومفيدة للحذر عمّا من شأنه أن يحصل في اللاحق على تقدير وقوع موجبه ، وهذا من لوازم كون « الأمر » للوجوب لغة وهو المدّعى.
فلا حاجة حينئذ إلى أن يقال في دفعه : بأنّ التحذير كما يكون للتحرّز عن الوقوع في العذاب بفعل المأمور به فقد يكون بالتوبة على تقدير تركه ، فيجوز أن يراد بالتحذير ما يشمل التارك المستحقّ وغيره.
__________________
(١) كذا في الأصل.