حيث هدّد سبحانه مخالف الأمر ، والتهديد دليل الوجوب *.
__________________
وما يقال في دفعه : من صدق « الأمر » لغة وعرفا على الصيغة الصادرة من العالي خالية عن القرائن الدالّة على إرادة الوجوب وعدمها ، فليس بشيء لابتنائه على توهّم كون « الأمر » من مقولة الألفاظ ، وقد تقدّم منّا مرارا ما يقضي بفساد ذلك وإباء كلّ من العرف واللغة عنه.
نعم ، يمكن أن يقال في دفعه : بأنّ المتبادر من الصيغة الصادرة من العالي إنّما هو الأمر فيرجع الكلام حينئذ إلى كون ذلك من حاقّ اللفظ أو القرائن الخارجة عنه ، فيجري فيه ما قرّرناه مرارا ممّا يقضي بارتفاع احتمال مدخليّة القرائن في نظائر المقام.
وأمّا ما يقال عليه : بأنّه لو سلّم دلالتها على حال الصيغة فإنّما تفيد وضع الصيغة الصادرة من العالي أو المستعلي أو هما معا دون صيغة « افعل » على الإطلاق كما هو المقصود بالعنوان.
فيدفعه : ما تقدّم من الأصل ، مضافا إلى أصالة عدم تعدّد الوضع بالمعنى العامّ لاحتمال النقل والاشتراك والارتجال.
* استفادة التهديد من الآية من جهة أنّ التحذير الّذي هو مفاد قوله تعالى : ( فَلْيَحْذَرِ ) مرادف للتهديد أو قريب منه وهو ملازم للوجوب ، ضرورة أنّ الندب مأذون في ترك متعلّقه فلا يعقل التهديد على مخالفته ، وربّما يتخيّل في بادئ النظر منافاة بين كلامه هذا وحمله الآية ـ فيما سيأتي ـ على إيجاب الحذر ، نظرا إلى أنّ التهديد والايجاب واقعان في طرفي النقيض ، فكيف يعقل جمعهما في إرادة واحدة.
ولكنّها بعد التأمّل ترتفع بأنّها إنّما تتوجّه إذا فرض متعلّق الأمرين شيئا واحدا والمقام ليس منه ، وضوح أنّ متعلّق التهديد إنّما هو مخالفة الأمر لما يلزمها من استحقاق اصابة الفتنة أو عذاب أليم ، ومتعلّق الإيجاب إنّما هو الحذر عن تلك المخالفة لكونه ملزوما للحذر عن إصابة أحدهما ، فيصحّ اجتماعهما معا بهذين الاعتبارين ، وكأنّ دلالة اللفظ على الأوّل من باب الالتزام بعد دلالته على الثاني من باب المطابقة.
نعم ، يتوجّه إليه أنّ الالتزام بكون قوله : ( فَلْيَحْذَرِ ) إيجابا ممّا لا حاجة إليه بل لا وجه له أصلا ، ضرورة أنّه مسوق سياق قوله تعالى : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ )(١) و ( لا تعصوا
__________________
(١) النساء : ٥٩.