الثالث : قوله تعالى : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ )(١) ، *
__________________
المعنى الحقيقي ، ضرورة عدم كفاية مجرّد وجود القرينة في الانصراف بل لابدّ معه من الالتفات إليها من الطرفين ، وهو في محلّ الكلام بالنسبة إلى المخاطبين محلّ شكّ فالأصل عدمه ، فلذا ترى إبليس معترفا بعصيانه واستكباره لا معتذرا بعدم انفهام الوجوب عن الأمر المتوجّه إليه ، تعليلا بوقوعه عقيب الحظر.
لا يقال : لعلّه فهمه من القرينة الخارجة الواردة على تلك القرينة كما ذكر في تقرير الإيراد ، لعدم القطع ولا الظنّ بوجودها فالأصل عدمها أيضا.
* والظاهر « أن » المصدريّة وما بعدها متعلّقة بقوله : ( فَلْيَحْذَرِ ) بتقدير حرف الجرّ على حدّ المنصوب بنزع الخافض.
ومن البيّن أنّ الاستدلال بالآية الشريفة بالتقريب الآتي من باب الاستدلال باللازم على ملزومه ، فإنّ إصابة الفتنة والعذاب الأليم لمخالف الأمر من لوازم الوجوب ، فترتّبها على مخالفته متفرّع على كونه مفيدا للوجوب.
ومن هنا يتوجّه إشكال بأنّ أقصى ما يفيده الآية هو كون الأمر مفيدا للوجوب إذا كان من العالي بل الشارع ، لاختصاص ما ذكر من اللازم بأمره ، وأين ذلك من إثبات الحكم لغة وعرفا كما هو المطلوب في المقام.
ولكن يدفعه : أنّ الملزوم إذا لم يكن له جهة اختصاص يثبت عموم الحكم بالنسبة إليه بأصالة التشابه وغلبة الاتّحاد.
غاية الأمر ثبوت الحكم بالآية في الجملة ، فتكون كالتبادر الّذي يجده الفقيه في طائفة مع الشكّ في وجوده في طائفة اخرى.
نعم يبقى الإشكال بأنّ الآية إنّما تدلّ على كون مفاد لفظ « الأمر » هو الوجوب دون الصيغة ، والمفروض أنّه لا ملازمة بينهما ، فلم لا يجوز أن يكون مستفادا (٢) من الصيغة بمعونة القرينة الصارفة أو المعيّنة أو المفهمة على تقدير كونها لغير الوجوب أوله ولغيره ، أو للطلب المطلق ، فيبقى حكمها غير معلوم عن الآية.
__________________
(١) النور : ٦٣.
(٢) في الأصل : « استفادة » والصواب ما أثبتناه في المتن.