ولمّا كان رفع الحظر أعمّ من الوجوب والندب والإباحة وكان المقصود هنا الوجوب اتّفاقا فعلمنا باقتران اللفظ بقرينة أفادت الوجوب ، فتلك القرينة رافعة للقرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي إن كانت الصيغة للوجوب ، كما في القرينة المنصوبة لرفع أثر الشهرة الصارفة للفظ عن معناه الحقيقي في المجاز المشهور ، ورافعة لها مع تعيينها أحد المجازات الاخر لو كانت حقيقة في الندب ، ورافعة لها مع تعيينها أحد المعنيين الحقيقيّين إن كانت مشتركة لفظا بين الوجوب والندب ، ومفهمة إن كانت مشتركة معنويّة فمع جريان تلك الاحتمالات في القرينة المقطوع بها سقطت الدلالة.
واجيب عنه تارة : بمنع الإجماع على حرمة السجود لغير الله تعالى على الملائكة.
واخرى : بأنّ الأمر الواقع عقيب الحظر إنّما يفيد رفعه إذا تعلّق بنفس المحظور والمقام ليس منه ، إذ المحظور إنّما هو السجود لغير الله تعالى والمأمور به إنّما هو السجود لله سبحانه ، وآدم إنّما هو جهة السجود كالكعبة لا أنّه المسجود له حقيقة.
لا يقال : عصيان إبليس كاشف عن كون المسجود له هو آدم لا غير ، لأنّ استكباره إنّما نشأ عن جعله جهة السجود دونه عليه اللعنة.
وثالثة : بمنع وقوع الأمر عقيب الحظر ، إذ المراد به ما إذا تعلّق الأمر بعين ما تعلّق به النهي كما لو قال الله تعالى : « اسجدوا لآدم » بعد قوله : « لا تسجدوا لآدم » وأمّا إذا فرض متعلّق النهي أعمّ مطلقا من متعلّق الأمر كما لو قال السيّد لعبده : « اخرج إلى المكتب » أو « أعط زيدا درهما » بعد نهيه عن مطلق الخروج وعن مطلق إعطاء الغير فلا يكون داخلا في هذا العنوان ، وما نحن فيه أيضا من هذا الباب ، إذ السجود لغير الله أعمّ منه لآدم.
وضعف الجميع واضح على المتأمّل ، فإنّ القبح الذاتي كاف في ثبوت التحريم ، دلّ عليه الشرع أو لا ، فعدم انعقاد الإجماع ـ على فرض تسليمه ـ غير قادح ، وظاهر الآية بقرينة ذكر « اللام » دون « إلى » كون المسجود له هو آدم دون غيره ، مضافا إلى ظهور قول إبليس : ( لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ )(١) في ذلك أيضا ، وتعلّق النهي بالأفراد في ضمن تعلّقه بالطبيعة أصالة كاف في كون الأمر المتعلّق ببعض تلك الأفراد واقعا عقيب الحظر.
والأولى في الجواب أن يقال : بمنع صلوح مجرّد وقوع الأمر عقيب الحظر صارفا عن
__________________
(١) الحجر : ٣٣.