قلنا : المتبادر إلى الفهم من المخالفة هو ترك الامتثال والإتيان بالمأمور به. وأمّا المعنى الّذي ذكرتموه فبعيد عن الفهم ، غير متبادر عند إطلاق اللّفظ ؛ فلا يصار إليه إلاّ بدليل. وكأنّها في الآية اعتبرت متضمّنة معنى الإعراض ، فعدّيت بـ « عن » *.
__________________
كالصريح ، بل قوله : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ )(١) صريح في تعليق الحكم على الوصف ، فيقضي بعلّيّة مأخذ الاشتقاق.
وبذلك يندفع أيضا ما قيل من احتمال أن يراد بالمخالفة الحكم على خلاف ما أمر الله تعالى به ، كما هو إطلاق معروف في مخالفة بعض الناس لبعض ، فإنّه مبنيّ على إرادة المأمور به من « الأمر » وهو مجاز لا يصار إليه إلاّ مع دليل ، ولا دليل ومجرّد الاحتمال غير كاف في الانصراف عن أصالة الحقيقة.
كما يندفع أيضا ما قيل من احتمال كون الموصول مفعولا لـ « يحذر » ويكون الفاعل مستترا فيه عائدا إلى السابق ، فيكون المقصود بيان الحذر عن الذين يخالفون عن أمره لا وجوب الحذر عليهم ، ليفيد استحقاقهم للعذاب من أجل مخالفتهم ، فإنّ الحذر لا يتعدّى بنفسه ، فينافيه تجرّد الموصول عمّا يناسب ذلك من الحروف ، مع فقد المقام عمّا يصلح مرجعا لضمير الفاعل ، فيدور الأمر بين جعل المعمول فاعلا أو مفعولا ، والأوّل أولى كما هو المصرّح به في كلامهم ، مع أنّه غير مناف للمطلوب أصلا بل مؤكّد له ، فإنّ مخالفة « الأمر » لولاها غير جائزة لهم لما استحقّوا لأن يحذّر غيرهم عنهم بإصابة الفتنة أو العذاب الأليم.
ومن البيّن أنّ ذلك بالنسبة إليهم في أعلى درجة الذمّ والتوبيخ ، وهو آية الوجوب.
ألا ترى أنّ النهي عن مجاورة شارب الخمر وغيره من العصاة كما ورد في كثير من الأخبار تعليلا بأن لا يعمّ البلاء أو العذاب النازل إليهم ، يفيد استحقاقهم للعذاب القاضي بحرمة ما كانوا يفعلون ، ومثله الآية لو صحّ الاحتمال المذكور فيها.
* وهذا ممّا أخذه المصنّف تقريبا للاستدلال أو متمّما له ، مع أنّ المانعين عن الاستدلال أخذوه موجبا للنقض ، بتقريب : أنّ المخالفة ممّا يتعدّى بنفسه وتعديتها في الآية
__________________
(١) النور : ٦٣.