المنع عن بلوغه حدّ الضرورة ثمّة ، وكونه كذلك عندنا لا يقضي بكونه كذلك في أوائل نشر الإسلام بل المقطوع به خلافه ، ولا أقلّ من أصالة التأخّر لولا القطع.
وقد يجاب عنه أيضا : بأنّ الذمّ إنّما علّق على مجرّد المخالفة وترك المأمور به ، فلو كان موضوعا لغير الوجوب لم يصحّ ذمّهم على مخالفة الصيغة المطلقة كما هو ظاهر الآية الشريفة.
وأمّا ما يقال تارة : من منع كونه ذمّا لجواز أن يكون لوما ، وهو ممّا يصحّ على ترك المندوب.
واخرى : بمنع كون المراد بالركوع معناه المعهود ، لجواز أن يراد به الإطاعة ، فالحاكم بالذمّ حينئذ هو العقل القاطع سواء دلّت عليه الآية أو لا ، فلا دلالة فيها على حكم الصيغة من حيث هي ، فليس ممّا يلتفت إليه لظهور السياق في الذمّ ، كظهور الركوع في معناه المعهود ، فإنّ المجاز لا يصار إليه في أمثال المقام لخلوّه عمّا يقضي بتعيّنه.
ولو قيل : إنّه لم يعهد له إلاّ المعنى الشرعي والمعنى اللغوي ، ولا سبيل إلى حمله على شيء منهما.
أمّا الأوّل : فلابتنائه على ثبوت الحقيقة الشرعيّة ، وهو في محلّ المنع.
وأمّا الثاني : فلقضاء القوّة العاقلة بعدم إرادة مطلق الإنحناء منهم ، فلابدّ من حمله على ما يقرب من معناه الحقيقي وهو الإيمان أو الإطاعة ونحوها ، ومعه لا يبقى في الآية دلالة على حكم الصيغة من حيث هي ، لاقترانها في إفادة الوجوب بقرينة عقليّة قاضية بالوجوب ، فإنّ وجوب الإيمان أو الإطاعة ممّا يثبت بحكم العقل لاستقلاله فيه ، وهو ليس من محلّ الكلام في شيء.
لقلنا : بكونه ـ على ما يقتضيه التحقيق ـ ممّا ثبت فيه الحقيقة الشرعيّة بخصوصه ، ولو سلّم لكان الحمل على المعنى الشرعي أولى ، لكونه أقرب إلى الحقيقة ممّا ذكر بمراتب شتّى ، والمفروض في المقام تعذّرها لما ذكر في تقرير السؤال ، ولو سلّم لكان الحمل على ما ذكر من المعنى المجازي أيضا كافيا في حصول المطلوب.
ودعوى اقتران الصيغة في الآية بالقرينة العقليّة مسلّمة ، ولكن تأثير تلك القرينة في فهم الوجوب ممنوع بأصالة عدم الالتفات من المخاطبين إليها حين توجّه الخطاب إليهم.
ولو سلّم عدم اعتبار الأصل أو عدم جريانه لاكتفينا بظهور الآية في ترتّب الذمّ على مخالفة الصيغة من حيث هي بلا ضميمة شيء إليها ، وإلاّ لكان على الحكيم عند الحكاية