الرابع ؛ أن يكون المراد من الأصل القاعدة المستفادة عن العمومات ، فالعمدة التكلّم فيها.
فنقول : قد يستدلّ لكون البيع بل كلّ عقد أصله اللزوم إلّا أن يقوم دليل من الخارج على عدمه ، بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) (٢).
وقد قرّر بعض الأعاظم (٣) الوجه فيها بأنّ «أوفوا» في الآية كناية عن كون المكلّف محروما عن نقض العهد ، أي يحرم عليكم نقض العهود ، والمراد من الحرمة الحرمان ، كما هو معناه لغة (٤) ، فالآية ليست في مقام بيان الحكم التكليفي من وجوب الوفاء بالعقد ، لأنّ العقد عبارة عن الربط الحاصل بين الإنشاءين ، وهو ليس أمرا قابلا للبقاء والرفع بعد ثبوته وحدوثه ، حتّى يمكن الوفاء به وعدم الوفاء به ، وكون المراد الوفاء بمضمونه يعني الوفاء بما هو لازم مضمونه وهو آثاره ، خلاف الظاهر.
فإذا لم يكن الوفاء بالعقد بما هو تحت قدرة المكلّف بعد حدوثه ، فلا بدّ أن يكون المراد من الأمر الإرشاد ، ومعنى الإرشاد أنّ العقد إذا حدث لا يكون قابلا للنقض ، فمعناه ؛ أنّ المكلّف محروم عن نقضه بعد ثبوته ، فهذه الآية بتمام مدلولها يدلّ على الحكم الوضعي ، يعني كون العقد لازما من دون نظر إلى الحكم التكليفي أصلا.
وفيه ؛ أنّه لو كان لنا لفظة تحرّم على المكلّف نقض العهد كان لهذا المقال
__________________
(١) المائدة (٥) : ١.
(٢) المكاسب : ٥ / ١٧.
(٣) هو شيخ الشريعة الأصفهاني رحمهالله ، «منه رحمهالله».
(٤) الصحاح : ٥ / ١٨٩٦ ، ولاحظ! مجمع البحرين : ٦ / ٣٨.