والناس في الاشتقاق على ثلاثة مذاهب : فأمّا جمهور العلماء من أهل اللغة والنظر من الكوفيين والبصريين مثل الخليل وأبي عمرو وسيبويه والأخفش ويونس وقطرب والكسائيّ والفراء والأصمعي وأبي زيد وأبي عبيد وغيرهم على أنّ بعض الأسماء مشتق وبعضها غير مشتق ، وأهل الظاهر يذهبون إلى أنّ الكلام كله أصل في بابه ، ليس شيء منه مشتقا من شيء ، فإن قيل : إنّ القطاميّ مشتق من القطم وهو الشّهوان للحم وغيره ، قالوا : بل القطم مشتق من القطاميّ ، وإن قيل لهم ، إنّ زهيرا من الأزهر وهو الأبيض قالوا : بل الأزهر من زهير وإن قيل لهم : إنّ الباتر في صفات السيف من البتر وهو القطع قالوا : لا ، البتر من الباتر ، ومن صيّر أحد هذين أولى بأن يكون أصلا من صاحبه ، بل الكلام كله أصل في بابه ، ويدفعون الاشتقاق أصلا ، وهؤلاء ليس ممّن يذهب مذهب أهل اللغة ، ولا يتعلق بأساليبها ، لأنّه ليس أحد من أهل اللغة يدفع الاشتقاق بوجه ولا سبب.
وقوم يذهبون إلى أنّ الكلام كله مشتق ، وهذا شيء لم ألق أحدا ممن يوثق بعلمه يقول به ، ولا قرأت فيه كتابا للمتقدمين مصنفا ، وإنّما هو قول شاذ يتعلق به بعض المتكلفين التحقق باللغة ، وبعض الناس يزعم أنّ أبا إسحاق الزجاج كان يذهب إليه ، ومعاذ الله من ذلك ، وإنّما دعاهم إلى هذا إملاء أبي إسحاق كتابه الكبير في الاشتقاق ، وذلك أنّه توغل في كثير منه وتقلّد في كثير مما هو غير مشتق عند أهل اللغة أنّه مشتق ، فأمّا أن يعتقد أنّ الكلام كله مشتق فمحال لأنّه لا بدّ للمشتق من أصل يتناهى إليه غير مشتق ، وذكرت في هذا الفصل رقعة أبي الحسن الصيمري المتكلم إلى أبي بكر محمد بن الحسن بن دريد في هذا المعنى وجوابها منه ، فأجبت أن أتحفك بهما ، لما فيهما من الفوائد من حسن سؤال السائل وإجابة المجيب في الجواب.
كتب أبو الحسن الصيمري إلى أبي بكر بن دريد : أنت أدام الله عزّك كهف الأدب ، وإليك مفزع أهله فيما أشكل من اللغة ، واستعجم من معاني العربية ، وقد زعم قوم من أهل الجدل أنّ العرب تسمّت بأسماء تأدّت إليها صورها ولم يعرفوا هم معانيها وحقائقها ، فقيل لهم : أتعرفون ما تحت تلك الأسماء التي لم يعرفوا حقائقها ومجازها والاتساع فيها؟ فقالوا : لا هل يجوز عندك أن توقع العرب اسما على ما لا معنى تحته يعرفونه هم؟ وقالوا : إنّ العرب لم تدر ما الاستطاعة وما القدرة وما القوة ، فما عندك في ذلك؟ وتفضّل بتعريفنا هل في كلامهم إذا قيل لأحدهم : بماذا استطعت قطع هذا الحبل وهذا الطّنب أو هذا اللحم أن يقول بسكين أو شفرة أو