سيف؟ وهل يقولون : فلان قويّ على فلان بماله أو بسيفه أو برمحه؟ وهل عندك أنّ قول الله عزّ وجلّ : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [آل عمران : ٩٧] ، أنّه أراد به الراحلة والزاد دون صحة بدنه أو أراد به صحة بدنه والزاد والراحلة؟ وأفتنا في معنى قوله الله عزّ وجلّ : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ) [الأنفال : ٦٠] ، هل القوة ورباط الخيل ممّا استطاعوه أو غير ذلك؟ وإن حضرك ـ أيّدك الله ـ شواهد من الشعر أو من مطلق كلام العرب بيّنت ذلك لنا وأتبعته مسؤولا بذكر ما قيل : إنّ العرب لم تعرف شيئا من حقائق الأعراض ، وهل جائز عليهم أن يسموا شيئا لا يعرفون حقيقته أم لا؟ ومننت به علينا إن شاء الله تعالى ، وأطال الله بقاءك وأدام عزك وتأييدك ، وأيد أهل الأدب بك وحرس نعمته عليك ومواهبه لديك.
فأجابه أبو بكر بن دريد : وقفت أدام الله عزك على متضمّن كتابك ، فأما المسألة الأولى فقد بينتها في أول كتاب الاشتقاق ، وهي قول من زعم من أهل الجدل أن العرب تسمّت بأسماء تأدّت إليها صورها ، ولم تعرف العرب حقائقها ، وإنّما تعلّق هؤلاء الزاعمون بما ذكره اللّيث بن المظفر في (كتاب العين) عن الخليل أنّه سأل أبا الدّقيش (١) ما الدّقش؟ فقال : لا أدري ، إنّما هي أسماء نسميها لا نعرف معناها ، وهذا جهل من اللّيث وادّعاء على الخليل ، وذلك أنّ العرب قد سمّت دقشا ثم حقّروه فقالوا : دقيش ، ثم صرّفوه من فعل إلى فنعل فسمّوا دنقشا وكل هذه أسماء ، فلو لم يكن للدّقش أصل في كلامهم ولم يقفوا على حقيقته لم يجيئوا به مكبّرا ومحقّرا ومصرّفا من فعل إلى فنعل ، والدّقيش طائر أغيبر أريقط معروف عندهم ، قال غلام من العرب ، أنشده يونس ومكوزة : [الرجز]
٤١٣ ـ يا أمّتاه واخصبي العشيّه |
|
قد صدت دقشين وسندريّه |
وليس قول الليث مقبولا على أبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد نضّر الله وجهه ، والدليل على ذلك تخليط الليث في كتاب العين واحتجاجه بالأشعار الضعيفة ، ثم بأشعار المولدين نحو أبي الشّمقمق ومن أشبهه.
وأما قولك أيّدك الله : أيجوز عندي أن توقع العرب اسما على ما لا معنى له؟
__________________
(١) أبو الدقيش القناني الغنوي ، وذكره ابن النديم بالسين المهملة. (انظر الفهرست ص ٧٦). وهو أحد فصحاء الأعراب.
٤١٣ ـ الرجز بلا نسبة في لسان العرب (دقش) ، وتاج العروس (دقش) ، والتنبيه والإيضاح (٢ / ٣١٨).