لا يعمل في ظرفين مختلفين أحدهما : حال ، والآخر : ماض ، فذلك محال ، ولكن المعنى : ولن ينفعكم اليوم بعد إذ ظلمتم وكذلك يضارع هذا قوله تعالى : «إنّ مع العسر يسرا» والعسر ضدّ اليسر ، والضدان لا يجتمعان ، ولكنّ الأصل : إنّ مع انقضاء العسر يسرا ، إلّا أنّ المضاف حذف ، وأمّا فائدة تكرير أنّ فالعرب تكرر الشيء في الاستفهام استبعادا ، كما يقول الرجل لمخاطبه وهو يستبعد أن يجيء منه الجهاد : أنت تجاهد؟ أأنت تجاهد؟ فكذا هاهنا ، قالوا : أيعدكم أنّكم مخرجون أنّكم مخرجون استبعادا.
فقيل له : أمّا سؤالك الأول عن خبر أنّ وكونه لم يأت فهو سؤال من قطع بما حكاه ، ولم يعدّ وجها سواه ، وهذا قول من لم يتقدّم له بهذا العلم فضل دراية ، ولا وقف على ما سطره فيه أولو النقل والرواية ، إذ كان معظم النحويين قد أجمعوا على أنّ خبر أنّ في هذه المسألة ثابت غير محذوف ، فلو قلت : يسأل عن خبر أنّ لم حذف في هذه الآية على قول بعض النحويين لأتيت بعذر مبين وللنحويين في هذه الآية أربعة أقوال :
الأول : منها : قول المبرد ومن تابعه وهو أن يجعل موضع (أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) رفعا بالابتداء «وإذا» ظرف زمان في موضع خبره ، والجملة في موضع خبر أنّ ، فيصير التقدير :
أيعدكم أنّكم إذا متم إخراجكم ، كما تقول : أيعدكم أنّكم يوم الجمعة إخراجكم ، فيكون إخراجكم مرفوعا بالابتداء ويوم الجمعة في موضع خبر أنّ الأول ، وهذا مذهب بيّن ظاهر لا يحتاج فيه إلى خبر محذوف.
الثاني : قول الجرمي ، أن تجعل مخرجون خبر أنّ الأولى ، وتكون الثانية كرّرت توكيدا لتراخي الكلام على حد قوله تعالى : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) [يوسف : ٤] ، فكرر «رأيتهم» توكيدا لتراخي الكلام ، ويكون انتصاب ساجدين ب «رأيت» الأولى ، كأنّه قال : رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين ، ومثل قوله سبحانه : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) [آل عمران : ١٨٨] ، فيكون «تحسبنّهم» توكيدا لتراخي الكلام ، ومن ذلك قوله : في النداء (١) : [البسيط]
يا تيم تيم عديّ [لا أبالكم |
|
لا يوقعنكم في سوءة عمر] |
__________________
(١) مرّ الشاهد رقم (٣٤٦).