الثالث : قول أبي الحسن الأخفش ، أو تجعل «أنكم» في موضع رفع بإذا على أن يكون فاعلا به ، على حدّ قياس مذهبه في الرفع بالظرف في نحو قولك : يوم الجمعة الخروج ، فالخروج عنده مرتفع بالظرف ، كأنه قال : يستقرّ الخروج يوم الجمعة ، ومذهب سيبويه وأصحابه أنّ الخروج مرفوع بالابتداء لا غير.
الرابع : قول سيبويه (١) وهو أن تجعل : (أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) [المؤمنون : ٣٥] بدلا من (أنّ) الأولى على حدّ قوله تعالى : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ) [الجاثية : ٢٧] ، فقوله : يومئذ بدل من قوله : يوم تقوم الساعة ، ويحتاج في هذا القول إلى حذف شيء يتمّ به الكلام ، لأنّه لا يصحّ أن يبدل من أنّ إلا بعد تمامها وتكملتها من اسمها وخبرها ، وقد وجّه أبو علي قول سيبويه في هذه الآية على وجهين :
أحدهما : أن يكون قد حذف مضافا من أنّ الأولى ، تقديره : أيعدكم أنّ إخراجكم إذا متم ، فيصحّ حينئذ أن يبدل (أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) من (أنّ) الأولى لأنّها قد تمّت ، وإنّما يحتاج إلى حذف هذا المضاف من جهة أنّ «إذا» ظرف زمان ، وظروف الزمان لا تكون أخبارا عن الجثث ، فإذا حملت قوله : (أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ) على تأويل : أنّ إخراجكم إذا متم ، تمّ الكلام ، وصارت «إذا» خبرا لأنّ على حدّ قولهم : «الليلة الهلال» يريدون : الليلة حدوث الهلال ، أو ظهوره ، ولو لا ذلك لم يجز ، لأنّ الهلال جثّة ، والليلة ظرف زمان ، ومثل الآية في حذف المضاف قوله عزّ وجلّ : (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ) [الشعراء : ٧٢] ، لأنّه لا بد من تقدير مضاف محذوف تقديره : هل يسمعون دعاءكم إذ تدعون ، فحذف الدعاء وهو يريده.
والثاني : من توجيه أبي علي لقول سيبويه : أن يكون خبر أنّ محذوفا ، تقديره : أيعدكم أنّكم إذا متم مخرجون ، ثم حذف خبر أنّ لدلالة أنّ الثانية عليه ، على حدّ قوله تعالى : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) [التوبة : ٦٢] فحذف خبر المبتدأ الأول استغناء عنه بخبر الثاني ، وعلى ذلك قول الشاعر (٢) : [المنسرح]
نحن بما عندنا وأنت بما |
|
عندك راض والرّأي مختلف |
تقديره : نحن بما عندنا راضون وأنت بما عندك راض ، إلّا أنّ حذف استغناء عنه بالخبر الآخر ، وهذا الوجه وحده هو الذي لم يفتح عليك أيّها المتقمص بقميص الزّهو التائه في غيابة السّهو الملقب بملك النحو إلّا به.
__________________
(١) انظر الكتاب (٣ / ١٥٣).
(٢) مرّ الشاهد رقم (٣٠).