وأمّا قولك بعد السؤال الأول : وكذلك يسأل عن العامل في «إذا» ثم بيّنت في جوابك أنّه محذوف ، فقولك هذا مبنيّ على ما قام في نفسك من كون خبر أنّ محذوفا ، وقد بيّنّا أنه غير محذوف ، إلّا على أحد الوجهين الموجّه بهما قول سيبويه ، وإلّا فهو موجود غير محذوف على المذاهب المتقدمة ، أمّا على مذهب المبرد فالعامل عنده في «إذا» الاستقرار لأنّها في موضع خبر المبتدأ ، وكذلك مذهب الأخفش هي عنده معمولة الاستقرار المقدر في كل ظرف رفع فاعلا ، وأمّا على مذهب الجرمي فإنّ العامل عنده فيها مخرجون التي هي خبر أنّ ، على ما تقدم ذكره.
وأما قولك بعد السؤال الثاني : إن «إذا» بمعنى الوقت ، وهو يضاف إلى الجمل على تأويل المصدر ، وما ذكرت من أنّ المعنى يستحيل إذا جعلت العامل في «إذا» مخرجون ، لأنّه يصير التقدير : أنّكم مخرجون وقت موتكم ، والإخراج وقت الموت لا يتصوّر ، وإجابتك عن ذلك بتقديرك حذف مضاف قبل «إذا» وهو «بعد» ، فإنك أتيت في هذا المكان بضرب من الهذيان.
أما قولك : إن «إذا» بمعنى الوقت وهو يضاف إلى الجمل على تأويل المصدر» فليس تقدير الجملة بعدها على تأويل المصدر بصحيح ، وذلك ممتنع فيها وفي إذ وفي لمّا خاصة ، ألا ترى أنّه يحسن أن تقول في نحو : «آتيك يوم يقدم زيد» : آتيك يوم قدوم زيد فتقدّر ما بعد يوم بتقدير المصدر؟ ولو قلت : «آتيك إذا يقوم زيد» لم يحسن أن تقول : أتيتك إذا قيام زيد ، وكذلك إذ تقول : أتيته إذ قام ولا تقول : أتيته إذ قيامه ، وكذلك لمّا ، تقول : أكرمته لمّا قام ، ولا تقول : أكرمته لمّا قيامه ، لأنّ هذه الظروف لا تضاف إلى مفرد ولا تستعمل إلّا مضافة إلى الجمل ، وأمّا قولك : «لأنّه لا بدّ من تقدير حذف مضاف قبل إذا وهو بعد ليصحّ المعنى ويسلم من الإحالة» فهو قول بيّن الفساد لا محالة ، وذلك أنّ المتقرر عند جميع النحويين أنّه لا يصح أن يضاف إلى إذا ولا إلى لمّا ، وذلك لتوغلهما في البناء وقلة تمكنهما ، ولا يجوز على هذا أن تقول : أكرمتك بعد إذا أكرمتني ، ولا قبل إذا أكرمتني ولا بعد لمّا أكرمتني ، ولا يجوز ذلك في ظروف الزمان ولا غيرها ، ولم يسمع من ذلك شيء إلّا في (إذ) ، والمعنى في الآية يصح على غير هذا التقدير ، إذ في مفهوم الخطاب من قوله عزّ وجلّ : (وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً) أنّ الإخراج ليس هو وقت الموت ، وإنما هو بعد زمان متراخ يقتضي الاستحالة من اللّحميّة والدّمويّة إلى الترابيّة ثم الإخراج بعد ذلك ، وإذا وإن كانت بمعنى الوقت فليس يلزم أن يكون وقوع الفعل في أوّل ذلك الوقت دون آخره ، مثال ذلك قولهم : إذا جاء زيد أحسنت إليه ، ومعلوم من جهة المعنى أنّ الإحسان لم يكن في أوّل المجيء ، إنّما كان بعده ، وتقدير الإعراب يوجب أنّ وقت