المسك ، قالوا : ولو كان في ليس ضمير الأمر والشأن لكانت الجملة التي في موضع الخبر قائمة بنفسها ونحن لا نقول : الطيب إلّا المسك ، وليس الأمر كما ظنّوا ، لأنّ الجملة إذا كانت في موضع خبر اسم قد وقع عليه حرف النفي فقد لحقها النفي في المعنى ، ألا ترى أنّك إذا قلت : ما زيد أبوه قائم ، فقد نفيت قيام أبيه ، كما لو قلت : ما زيد قائم ، فعلى هذا يجوز أن تقول : ما زيد أبوه إلّا قائم ، كأنّك قلت : ما أبو زيد قائم» ، هذا كلام السيرافي رحمه الله ، فأمّا توجيهك المسألة على ما صحّ في زعمك ، وهو أن تجعل الطّيب اسم ليس والمسك مبتدأ وخبره محذوف تقديره : ليس على الطيب إلا المسك أفخره أو على أن تكون «إلّا» بمعنى غير ، والتقدير : ليس الطيب غير المسك مفضلا أو مرغوبا فيه ، فشيء لم يسبقك إليه أحد ، ولم يخطر مثله قبلك ببال بشر ، وهو تقديرك الاسم مبتدأ وحذف خبره ، وهو أفخره مع كون اللفظ لا يقتضي هذا الخبر ولا يدل عليه ، وتقديرك في الوجه الآخر إلّا بمعنى غير تشير بها إلى أنّها وما بعدها صفة للطّيب على حدّ قوله عزّ وجلّ : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ) [الأنبياء : ٢٢] أي : غير الله ، وجعلك الخبر محذوفا وهو مفضلا أو مرغوبا فيه ، فيكون المعنى عندك : أنّ الطّيب لا يرغب الناس فيه ، وإنّما يرغبون في المسك ، لأنّ هذا تقدير قولك : ليس الطيب غير المسك مرغوبا فيه ، وعلى أنّ سيبويه ذكر في حكايتهم ما أوجب التوقف عمّا أجازه من أنّ الوجه أن يكون في ليس إضمار ولا يكون حذفا ، فقال بعد أن قدم الوجه في قوله (١) : [البسيط]
... وليس منها شفاء الدّاء مبذول
وقولهم : ليس خلق الله أشعر منه : إلّا أنّهم زعموا أنّ بعضهم قال : ليس الطّيب إلا المسك ، وما كان الطيب إلا المسك ، ووجه توقفه عن أن يحمل ليس في لغتهم على ضمير الشأن والقصة أنّه وجدهم يرفعون المسك في (ليس) وينصبونه في (كان) ، فيقولون : ما كان الطّيب إلّا المسك ، فلو كان في (ليس) إضمار لوجب أن يكون في كان إضمار أيضا ، فكونهم يختصون الرفع بليس دون كان حتى لا يوجد منهم من يرفع المسك في كان ولا ينصب في ليس دليل على أنّ ليس هاهنا حرف لا عمل لها ، وبهذا يبطل قولك : إنه لو كان على إضمار أفخره في الوجه الأول أو إضمار مرغوبا فيه أو مفضلا في الوجه الثاني لوجب مثل ذلك في كان ، فيقال : ما كان الطيب إلا المسك ، على تقدير : إلا المسك أفخره ، أو على تقدير : غير المسك مفضلا أو
__________________
(١) مرّ الشاهد رقم (٣٩٤).