يا هذا غلطت أوّلا في التلاوة بإسقاط الواو من قوله عزّ وجلّ : (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً) ثم قلت : إنّ العلماء قد ذكروا في نصب كلالة أشياء جميعها عندك فاسد ، وإنّ تخليط ابن قتيبة فيها على تخليطهم زائد ، وسأبيّن صحّة أقوال العلماء فيها ، وأنّ الفساد إنما جاء من قلّة فهمك لمعانيها : [الوافر]
٥٢٣ ـ ومن يك ذا فم مرّ مريض |
|
يجد مرّا به الماء الزّلالا |
اعلم أنّ الكلالة فيما نحن بصدده هي في الأصل مصدر قولك : كلّ الميّت يكلّ كلالة فهو كلّ ، وذلك إذا لم يرثه ولد ولا والد ، وكذلك أيضا يقال : رجل كلّ إذا لم يكن له ولد ولا والد ، فهذا أصل الكلالة ، أعني كونها حدثا لا عينا ، ثم يوقعونها على العين ولا يريدون بها الحدث ، كما يفعلون ذلك بغيرها من المصادر ، فيقولون : هذا رجل كلالة أي : كلّ ، كما يقولون : عدل أي : عادل ، وعلى هذا الوجه حمل جمهور العلماء وأهل اللغة قول الله عز وجلّ :
(وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً) [النساء : ١٢] فجعلوا الكلالة اسما للمورث ، ولم يريدوا أنّها بمعنى الحدث ، فيكون نصب كلالة على هذا من وجهين :
أحدهما : أن يكون خبر كان.
والثاني : أن يكون حالا من الضمير في «يورث» على أنّ تقدير كان هي التامة ، فيكون التقدير فيه : وإن وقع أو حضر رجل يورث وهو كلالة أي : كلّ.
وعلى هذين الوجهين أعني في نصب الكلالة ذهب أبو الحسن الأخفش ، وأجاز غيره أن تكون الكلالة في الآية على بابها ، أعني أن تكون اسما للحدث دون العين ، فيكون انتصابها أيضا من وجهين :
أحدهما : أن تكون من المصادر التي وقعت أحوالا ، نحو : جاء زيد ركضا ، والعامل فيه يورث على حدّ ما تقدّم ، وكلالة هاهنا مصدر في موضع الحال كما كان في قولهم : هو ابن عمّي دنية.
والوجه الآخر : أن يكون انتصاب كلالة في الآية انتصاب المصادر التي تقع أحوالا ، ويكون في الكلام حذف مضاف تقديره : يورث وراثة كلالة ، وعلى ذلك قولهم : ورثته كلالة ، وقول الفرزدق : [الطويل]
٥٢٤ ـ ورثتم قناة الدّين لا عن كلالة |
|
عن ابني مناف عبد شمس وهاشم |
__________________
٥٢٣ ـ البيت للمتنبي في ديوانه (ص ١٣٠).
٥٢٤ ـ الشاهد للفرزدق في ديوانه (ص ٨٥٢) ، والكامل (٣ / ٢٠٤) ، واللسان (كلل).