انتهى ، وبعد فعندي توقف في كون هذا التركيب عربيا محضا ، والذي رابني منه أمور :
الأول : أنّ إجماع النحويين واللغويين منعقد على أنّ لهلمّ معنيين :
الأول : تعال ، فتكون قاصرة ، كقوله تعالى : (هَلُمَّ إِلَيْنا) [الأحزاب : ١٨] ، أي : تعالوا إلينا.
الثاني : أحضر ، فتكون متعدية ، كقوله تعالى : (هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ) [الأنعام : ١٥٠] ، أي : أحضروهم ، ولا مساغ لأحد المعنيين هنا.
الثاني : أنّ إجماعهم منعقد على أنّ فيها لغتين : حجازية وهي التزام استتار ضميرها فتكون اسم فعل ، وتميمية وهي أن يتصل بها ضمائر الرفع البارزة ، فيقال : هلمّا وهلمّي وهلمّوا ، فتكون فعلا ، ولا نعرف لها موضعا أجمعوا فيه على التزام كونها اسم فعل ، ولم يقل أحد : إنه سمع هلمّا جرّا ولا هلمّي جرّا ولا هلمّوا جرّا.
الثالث : أنّ تخالف الجملتين المتعاطفتين بالطلب والخبر ممتنع أو ضعيف ، وهو لازم هنا إذا قلت : كان ذلك عام كذا وكذا وهلمّ جرّا.
الرابع : أنّ أئمة اللغة المعتمد عليهم لم يتعرضوا لهذا التركيب حتى صاحب المحكم مع كثرة استيعابه وتتبّعه ، وإنما ذكره صاحب الصحاح ، وقد قال أبو عمرو ابن الصلاح في شرح مشكلات الوسيط : إنه لا يقبل ما تفرّد به ، وكان علة ذلك ما ذكره في أوّل كتابه من أنّه ينقل عن العرب الذين سمع منهم ، فإنّ زمانه كان اللغة فيه قد فسدت ، وأمّا صاحب العباب فإنّه قلّد صاحب الصحاح فنسخ كلامه ، وأمّا ابن الأنباري فليس كتابه موضوعا لتفسير الألفاظ المسموعة من العرب ، بل وضعه أن يتكلّم على ما يجري في محاورات الناس ، وقد يكون تفسيره له على تقدير أن يكون عربيا ، فإنّه لم يصرّح بأنّه عربي ، وكذلك لا أعلم أحدا من النحاة تكلم عليها غيره.
ولخّص أبو حيان في (الارتشاف) أشياء من كلامه ، ووهم فيه ، فإنّه ذكر أن الكوفيين قالوا : إن (جرّا) مصدر ، والبصريين قالوا : إنه حال ، وهذا يقتضي أنّ الفريقين تكلّموا في إعراب ذلك ، وليس كذلك ، وإنما قال أبو بكر : إنّ قياس إعرابه على قواعد البصريين أن يقال : إنه حال ، وعلى قواعد الكوفيين أن يقال : إنه مصدر ، هذا معنى كلامه ، وهذا هو الذي فهمه عنه أبو القاسم الزجاجي ، وردّ عليه فقال : البصريّون لا يوجبون في نحو «ركضا» أن يكون مفعولا مطلقا ، بل يجيزون أن يكون التقدير : جاء زيد يركض ركضا ، فلذلك يجوز على قياس قولهم أن يكون التقدير :