هلمّ يجرّ جرّا ، انتهى. ثم أقول : قول أبي بكر : «معناه سيروا على هينتكم أي : اثبتوا في سيركم فلا تجهدوا أنفسكم» معترض من وجهين :
الأول : أنّ فيه إثبات معنى لهلمّ لم يثبته لها أحد.
الثاني : أنّ هذا التفسير لا ينطبق على المراد بهذا التركيب ، إنما يراد به استمرار ما ذكر قبله من الحكم ، فلهذا قال صاحب الصحاح : «وهلمّ جرّا إلى الآن».
وقول أبي حيان : معناه : «تعال على هينتكم» عليه أيضا اعتراضان :
الأول : أنه تفسير لا ينطبق على المراد.
الثاني : في إفراده «تعال» مع أنّه خطاب للجماعة ، وإنّما يقال : تعالوا ، كما قال الله تعالى : (تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ) [آل عمران : ٦٤] ، وكأنه توهّم أنّ «تعال» اسم فعل ، واسم الفعل لا تلحقه ضمائر الرفع البارزة ، وقد توهّم ذلك بعض النحويين فيها وفي «هات» ، والصواب أنّهما فعلان بدليل الآية وقوله تعالى : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ) [الأنبياء : ٢٤] ، وقول الشاعر : [الطويل]
٥٥١ ـ إذا قلت هاتي نوّليني تمايلت |
|
[عليّ هضيم الكشح ريّا المخلخل] |
وقوله : «لأنّ هلمّ في معنى جرّوا» منقول من كلام ابن الأنباري ، وهو خطأ منه انتقده عليه الزجاجي في مختصره ، وقال : لم يقل أحد : إنّ هلمّ في معنى جرّوا ، وفيه دليل على ما قدمته من أنّ الإعرابين المذكورين لم يقلهما البصريون والكوفيون ، وإنّما قالهما ابن الأنباري قياسا على قولهم في جاء زيد ركضا».
وتقدير البيت الأول : فإن تجاوزت أيضا مقفرة أي : ليس بها أنيس رمت بي تلك الأرض المقفرة إلى أرض أخرى مقفرة كتلك الأرض المقفرة ، وجواب الشرط إمّا «رمت بي» أو البيت بعده إن كانت «رمت» صفة لمقفرة.
وأمّا البيتان الآخران فمعناهما الثناء على قوم بالكرم والسيادة ، والعرب تمدح بالإطعام في الشتاء لأنّه زمن يقلّ فيه الطعام ، ويكثر الأكل لاحتباس الحرارة في الباطن ، والسّدائف جمع سديفة ، وهي مفعول بمطعمين ، ومعناها شرائح سنام البعير المقطّع وغيره ممّا غلب عليه من السمن ، وقوله : مل نيب أصله من النيب ، والنّيب جمع ناب وهي الناقة ، سمّيت بذلك لأنّه يستدلّ على عمرها بنابها ، وحذف نون من لأنّه أراد التخفيف حين التقى المتقاربان ، وهما النون واللام ، وتعذّر الإدغام لأنّ اللّام
__________________
٥٥١ ـ الشاهد لامرئ القيس في ديوانه (ص ١٥).