حتى يصلوا إلى ضريح أحمد البدوى يذهبون أفواجا أفواجا. وتكون الطرق مزدحمة جدا حتى أن بعض النساء والصبايا يقعون تحت الأقدام ويموتون وأظن أن هذا الزحام لا يوجد بنفس الدرجة فى زيارة مكة والمدينة وأثناء الطواف. ويستمر هذا الزحام لمدة عشرة أيام بلياليها عند زيارة البدوى ويكون جمعا عظيما كيوم الحشر فتتلاصق الأكتاف فيه وتصبح مدينة طنطا عبارة عن حلقة ذكر ما بين كلمة هو والحى القيوم وذكر الله ويصل صدى ذكر الله إلى عنان السماء.
ويقوم الأثرياء من الأعيان الكبار بفرش خيامهم بالسجاد والأبريشم والقطيفة والأطلس والقماش الهندى ويفرشون أيضا الأرائك والمقاعد المزينة ؛ كما يزينون تلك الخيام بالبساط والأسلحة والأوانى القيمة. ويضعون الأعلام والرايات أمام الخيام. ويشعلون آلاف القناديل والمصابيح ويتسامر أهل تلك الخيام ليلا ونهارا ، ويدعون للسلطان بدوام دولته.
يزين كل المشايخ أيضا خيامهم بمئات الآلاف من القناديل والأعلام والرايات ويقيمون فيها مشتغلين بالعبادة والذكر. والحاصل أن كل مرغوب موجود فى مولد البدوى. أما العارفون بالله فيفضلون الانزواء عن هذه الكثرة يأنسون بالوحدة بعيدا عن أى عالم آخر حيث ينظرون إلى الدنيا بعين الإمعان ويجلون قلوبهم ويتطلعون إلى المتعة الدائمة فالدنيا فانية : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) [النحل : ٩٦] ففى نفس الوقت الذى يكون فيه أهل الظاهر نائمون فى غفلتهم يكون أهل الباطن من العارفين بالله مشتغلون بالتوحيد والتمجيد والذكر فى منتصف الليل ويتلى المولد الشريف فى آلاف الأماكن ويقوم الذاكرون الشاكرون ذوى الصوت العذب بمدح الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فيملأ صدى أصواتهم المكان ، فيثمل الرجال من شدة الشوق. ولأن آلاف القناديل والمشاعل تضاء فى تلك الصحارى تجعل الليل هناك نهارا وتكون بمثابة العلامة فى الصحراء. وينشغل كل شخص بشىء فى تلك الليالى : (نظم)
عند ما يتجلى الخلاق إلى عالم الأزل |
|
يتسلى كل شخص بحاله |
فتطلق آلاف الطلقات النارية فى السماء على أشكال وصور كثيرة فتجعل ليل مدينة