ويقول الشيوخ من أهل تلك المدينة إن هذه الشجرة وجدت منذ ألف عام إن رجلا جنبا حمل فأسا وأراد أن يقطع هذه الشجرة ، وأصبحت أوراقها مثل أوراق الخريف وتسقط بعض أوراقها من الخوف ، وفى التو تبقى أغصانها على حالها ، وأهل الصعيد لا خبر لهم عن هذه الشجرة ، بيد أن الأقباط يعرفون هذا من أخبارها ، بل إن بعضهم هم الذين مضوا معى كى أشاهدها ، إنها دليل على بديع وغريب صنعه عزوجل ، ولقد شاهدتها فإنها تستحق المشاهدة ، وغادرنا هذا الموضع وسرنا خمس ساعات على شاطئ النيل وبلغنا قصبة فرشوط.
أوصاف قصبة فرشوط
إنها فى حكم جرجا إنها كاشفية أخرى تؤدى مالا وأكياسا أخرى ويحصل مائتان من سكانها الأموال ، ولهذا جند من الطوائف السبع وقضاؤها مائة وخمسون أقجه وتؤدى فى العام خمسمائة قرش ، لأن أهلها من عرب الهوارة المطيعين ، ولشيخهم ولد واحد اسمه على ، وله ثلاثة آلاف من الفرسان من الهوارة ، وعلى شاطئ النيل ثمانمائة بيت بين الحدائق والنخيل ، ولها أحد عشر مسجدا ، وجامع كما أن فيها بضع أسواق صغيرة ومقاه ، وحانات للبوزه ، ولكن ليس فيها مدارس ولا حمّام ، أما علماء فرشوط فهم كثرة ، ومنهم المفسرون والمحدثون وأكثر من ألف مصنف كما أن منهم مؤلفون من صالحى الأمة ، وفى مصر شهرة واسعة للعلماء الغمراويين والفرشوطيين والأسيوطيين ، ولاعتدال الجو فإن الشيوخ والشبان راجحة عقولهم كما أن الصبيان الذين يتعلمون فى المكاتب أذكياء مجتهدون ، وأصل تسمية فرشوط أن نوحا ـ عليهالسلام ـ قدمها بعد الطوفان ، وقد وهب هذه الأرض إلى فرشوط بن مصرايم بن بيطار بن حام بن نوح ، وقد عمّر فرشوط هذا ألفا ومائة سنة وعند ما مضى إلى بلاد فونجستان ، بنى مائة وأربعين مدينة ومن هذه المدن مدينة فرشوط وكانت قديما مدينة جميلة ، وما زالت آثار أبنيتها ماثلة للعيان ، وغادرنا هذه المدينة ومضينا على ساحل النيل خمس ساعات وبلغنا قصبة سمنهوط.